والشراب فقد كان مشغولا بأمور أهم من هذا العبث الصبياني.
والمرحلة الثانية التي يتسم فيها الإنسان بالوقار والنضج والحلم هي مرحلة ما بعد الأربعين ، وهي تلك المرحلة التي يقول عنها الخليل في منظومته النحوية (البيت ١٨٤).
قطني وقدني من مجالسة الأولى |
|
قد أتعبوا بدني الضعيف (١) وأنصبوا |
والخليل نفسه كان يقول (٢) : «أكمل ما يكون الإنسان عقلا وذهنا إذا بلغ أربعين سنة ، وهي السن التي بعث الله تعالى فيها محمدا صلّى الله عليه وسلّم ، ثم يتغير وينقص إذ بلغ ثلاثا وستين سنة ، وهي السن التي قبض فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وأصفى ما يكون ذهن الإنسان في وقت السحر».
هذه هي صورة الخليل العاقل الحليم الوقور الحكيم الذي كان يقول الحكمة في شعره ونثره ، بل حتى في تصرفاته كان حكما مع أصدقائه وأساتذته عند محاورته أو حتى سكوته ، وقد جاءت بعض النماذج في قصيدته النحوية دالة على ذلك. عنذما يقول في البيت ٢٥٩ :
لا خير في رجل يعرض نفسه |
|
للذم لا. لا خير فيمن يغضب |
أو حينما يقول في البيت ٢٨٨ :
............ |
|
كل امرئ إن عاش يوما ينكب |
وفي البيت ٢٣٨ :
وعلام تظلمنا وتبخس حقنا |
|
والحق أحسن ما أتيت وأوجب |
__________________
(١) لا تعني «بدني الضعيف» شحوب الوجه وتشقق القدمين وتمزق الثياب.
(٢) وفيات الأعيان لابن خلكان ٢ / ٢٤٥.