والملاحظ أن نماذج الحكمة عند الخليل لم تخرج عن تلك النماذج التي رويت عنه في كتب التراجم والمؤرخين ، فمن أشعاره التي رويت عنه قوله (١) :
وقبلك داوى الطبيب المريض |
|
فعاش المريض ومات الطبيب |
فكن مستعدا لدار الفناء |
|
فإن الذي هو آت قريب |
وأيضا هو الذي يقول (٢) :
وما هي إلا ليلة ثم يومها |
|
وحول إلى حول وشهر إلى شهر |
مطايا يقربن الجديد إلى البلى |
|
ويدنين أشلاء الكرام إلى القبر |
ويتركن أزواج الغيور لغيره |
|
ويقسمن ما يحوي الشحيح من الوفر |
وكل هذه أشعار تدل على حكمة وتعقل وفهم للحياة ، تدل على أن الخليل تمرس بالحياة ، كثيرا وخبرها قبل هذه العزلة التي فرضها على نفسه ، وعند لقائه ومحاوراته مع غيره لم يكن يجيب إلا بعد روّية ولم يكن يدعي أن ما أتى هو القول النهائي ، أو يتعرض لغيره من العلماء بسوء (٣).
فقد حكى عنه صاحب إتحاف الأعيان قائلا : «قال النضر بن شميل : جاء رجل من أصحاب يونس إلى الخليل يسأله عن مسألة فأطرق الخليل يفكر وأطال حتى انصرف الرجل ، فعاتبناه فقال «ما كنتم قائلين فيها؟!» قلنا : كذا وكذا ، قال فإن قال كذا وكذا ، قلنا : نقول : كذا وكذا ، فلم يزل يغوص حتى انقطعنا وجلسنا نفكر ، فقال : إن المجيب يفكر قبل الجواب ، وقبيح أن يفكر بعده ، وقال ما أجيب بجواب حتى أعرف ما عليّ فيه من الاعتراضات
__________________
(١) معجم الأدباء ١١ / ٧٦ ، اتحاف الأعيان ١ / ٦٣.
(٢) اتحاف الأعيان ١ / ٦٣.
(٣) مكانة الخليل بن أحمد في النحو العربي.