والمؤاخذات» (١) أي حكمة وأي عقل هذا الرجل الذكي الذي يقول! «لا يعرف الرجل معلمه حتى يجالس غيره» (٢).
إنه حكيم في كلامه وأفعاله وحديثه ، كما أنه حكيم في صمته.
ولنتأمل ما يحكيه ابن العماد الحنبلي (٣) عن الخليل عند ما يقول : «لما دخل الخليل البصرة لمناظرة أبي عمرو بن العلاء جلس إليه ولم يتكلم بشيء ، فسئل عن ذلك فقال : هو رئيس منذ خمسين سنة فخفت أن ينقطع فيفتضح في البلد». أي أدب هذا! وأي حكمة بالغة في صمته والتعليق عليه؟ لقد حق أن يقال عنه إنه كان إماما كبير القدر خيّرا متواضعا فيه زهد وتعطف (٤).
أما نماذجه وتمثيله في منظومته النحوية فهي دالة دلالة يقينية على تقواه ونقائه وحبه للعبادة ونماذج ذلك كثيرة يستطيع أن يلمحها القارئ للمنظومة ويكفي أن نقرأ قوله في البيت ٢٣٤ :
وتقول لا تدع الصلاة لوقتها |
|
فيخيب سعيك ثم لا تستعتب |
وفي البيتين ١٦٤ ، ١٦٥ يقول :
اخرج فاتهم وأنت بنادهم |
|
فانظر فأي مؤذنيك يثوّب |
فأجب ولا تدع الصلاة جماعة |
|
إن الصلاة مع الجماعة أطيب |
إن هذه الأبيات دالة على صفاته التي حكيت عنه وذكرت من ضمن صفاته الكثيرة ، فقد كان تقيّا ورعا زاهدا تهيمن عليه آداب العلماء الحقة فيما يقوله أو
__________________
(١) إتحاف الأعيان ١ / ٦٥.
(٢) السابق ١ / ٦٦.
(٣) شذرات الذهب في أخبار من ذهب ١ / ٢٧٧.
(٤) السابق نفسه.