واستغن أنت ببعضه عن بعضه |
|
وصن الذي علّمت لا يتشذّب |
وبين المقدمة والنهاية عالج أمورا نحوية كثيرة بأسلوب يتسم بالسهولة والابتعاد عن التعقيد ، جاء متسقا مع سهولة عرض القضايا النحوية فكأنه يعيش معنا الآن بأسلوبه الذي يصل إلى متلقيه سريعا وابتعاده عن الجدل النحويّ.
هناك ملاحظة مهمة حول الأبيات الأخيرة حيث يوجه الخليل نصيحته إلى متعلمي النحو قائلا «إن النحو بحر عميق لا يدرك قاعه ، وعر المسالك ، عيونه تفيض بغزارة».
وهو هنا يشير إلى المسائل الخلافية في النحو والتعليلات ، وفلسفات النحو وتفريعات قضاياه ، إنه كالأمواج المتلاطمة في بحار عميقة لا قرار لها ، ومن هنا فإن على المتعلم أن يقتصد ، وأن يأخذ منه بحذر لأن الإفراط في معرفة أصوله وفروعه له نتائج وخيمة لمن لم يتسلح للدخول إليه.
أما الشادون من المتعلمين فعليهم أن يدخلوا إلى أبواب النحو برفق ، وهذا إرشاد صائب لمن شاء أن يتعلمه ، فبعضه يغني عن بعض ، لكن المفيد أن تحتفظ وتعي وتصون ما تعلمته فلا يستغنى عنه.
٢ ـ تحقيق نسبة هذه المنظومة إلى الخليل
هناك وسائل كثيرة للوصول إلى حقيقة نسبة أي عمل إلى صاحبه ، من هذه الوسائل المهمة ما أطلق عليه علماء أصول التربية «النقد التاريخي» (١) أو «الأدلة التاريخية» (٢) ، ويقصد بها مجموع الحقائق والمعلومات التي تثبت صحة العمل المقصود بالدراسة ، والتحقق من صحة نسبته بحيث يمكن قبوله في نهاية الأمر والثقة به والغرض من هذا النقد التأكد من صدق المصدر وصحة المادة الموجودة في هذا المصدر والتي تكون موطن الدراسة ، ويكون الشك هو بداية الحكمة على حد تلك المقولة الشائعة (٣) ، وسنتخذ من هذا
__________________
(١) مناهج البحث في العلوم الاجتماعية والتربوية تأليف لويس كوهين ، لورانس مانيون ترجمة أ. د. كوثر حسين كوجك. أ. د. وليم تاوضروس عبيد مراجعة أ. د. سعد مرسي أحمد ، الطبعة الأولى ١٩٩٠ ، صفحة ٨٠.
(٢) مناهج البحث في التربية وعلم النفس تأليف أ. د. جابر عبد الحميد جابر وأ. د. أحمد خيرى كاظم ، القاهرة ١٩٩٠ ، ص ١٢٠.
(٣) المصدر السابق نفسه.