إن مما لفت نظري في كتاب (الجمل) هذا النص الذي يقول فيه (١) : «فاعلم أن علامات الجزم بالضم ، والوقف ، والفتحة ، وإسقاط النون والكسرة ، فالوقف مثل قولك : لم يخرج ، ولم يبرح وهو السكون ، والجزم بالضم : لم يدع ، ولم يغز ، والجزم بالكسر : لم يرم ، ولم يقض ، والجزم بالفتح : لم يلق ، ولم يرض ، وإسقاط النون : لم يخرجا ، ولم يخرجوا ، وربما تركت الواو والياء في موضع الجزم استخفافا. قال الله عزّ وجل (٢) (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) أثبت الواو ومحله الجزم لأنه مخاطبة الواحد فيما ذكر لي بعض أهل المعرفة قال الشاعر (٣) :
هجوت زبّان ثم جئت معتذرا |
|
من هجو زبان لم تهجو ولم تدع |
والملاحظ أن علامات الجزم لدى الخليل تعتمد على الشكل النطقي لآخر الفعل ، وكأنه كان يميل إلى أن يقدم لنا (نحوا وصفيا) يعتمد على وصف الواقع اللغوي ، وهو يمثل الآن اتجاها لبعض الدارسين.
ما لم يسم فاعله :
في منظومة الخليل باب يسمّى : ما لم يسمّ فاعله يقول فيه (٤) :
والفاعلون ولم يسمّوا حدّهم |
|
رفع وبعد الرفع نصب يلحب |
فتقول قد عزل الأمير وزوّجت |
|
دعد وقد ضرب العشيّة شوزب |
ومن الواضح أن الخليل يقصد نائب الفاعل مع الفعل المبني للمجهول وأمثلته دالة على ذلك : (عزل الأمير ـ زوجت دعد ـ ضرب شوزب) ، وقريب
__________________
(١) الجمل ٢٠٢ ، ٢٣.
(٢) سورة الجن الآية ١٨.
(٣) قائل هذا البيت أبو عمرو بن العلاء فقد قيل ان اسمه (زبّان) وأنه قال هذا البيت للفرزدق ؛ انظر الإنصاف ١ / ٢٤ شرح الأشموني ١ / ١٠٣ شرح المفصل ١٠ / ١٠٤ ، ١٠٥ شرح شواهد العيني ١ / ١٠٣. والمعروف ان أبا عمرو بن العلاء كان أستاذ الخليل ، وربما كان هو المقصود بقول الخليل «فيما ذكر بعض أهل المعرفة» أليس ذلك دليلا على أن هذه النصوص الواردة كلها للخليل؟!
(٤) البيتان ١٤٥ ، ١٤٦.