من هذا ما أورده الخليل في كتابه الجمل عند ما كان يتكلم عن وجوه الرفع قائلا (١) : «وما لم يذكر فاعله : ضرب زيد وكسي عمرو».
وإذا ظهر لنا هذا الأمر واستبان فلنا أن نعترض على ما قاله صاحب المدارس النحوية (٢) عند ما يقول تحت عنوان : ما لم يسمّ فاعله : «وهو من مصطلحات الكوفيين ، وهو عند البصريين جملة مواد هي المفعول الذي لم يتعده فعله ، ولم يتعد إليه فعل فاعل والمفعول الذي لا يذكر فاعله والفعل الذي بني للمفعول ولم يذكر من فعل به» (٣).
والملاحظ أن صاحب المدارس النحوية ينفي في بداية الأمر أن يكون المصطلح بصريّا قائلا : (وهو من مصطلحات الكوفيين) ، ثم يذكر أن البصريين قد استخدموه مشيرا إلى ثلاثة مصادر منها استخدام المبرد (المفعول الذي لا يذكر فاعله) واستخدام ابن السراج (الفعل الذي بني للمفعول) والقصد هنا أن الفاعل محذوف سواء كان فاعل الفعل ، إو الفاعل في المفعول ، والمصطلح الذي أتى به (ما لم يسمّ فاعله) يمكن أن يؤدي الدلالتين السابقتين ، وهذا ما استخدمه الخليل (ما لم يذكر فاعله) مرة ، ومرة أخرى (ما لم يسمّ فاعله) والمبرد وابن السراج من أقطاب المدرسة البصرية ، أوفياء لمصطلحهم ، وسيبويه عند ما يقول (المفعول الذي لم يتعده فعله) (٤) فإنما لم يبعد عن المعنى المراد ، ويبقى للخليل السبق في استخدام المصطلح بناء على ما ورد في (منظومته) وفي كتابه (الجمل).
هذه جملة مصطلحات توقفنا أمامها بالتفصيل نظرا لما أشيع عنها أنها كوفية ، مع أن البصريين ـ وعلى رأسهم الخليل ـ كانوا سباقين في استخدامها ، وهي ألفاظ شاعت ليس فقط عند الكوفيين ، بل ظلت شائعة حتى عصرنا الحاضر فالكثير منها يتردد كل يوم على ألسنة الدارسين ، هذا على
__________________
(١) الجمل ١١٨.
(٢) المدارس النحوية ١٢١ ، ١٢٢.
(٣) أشار المؤلف إلى الكتاب ١ / ٢٤ والصحيح ١ / ٤٢ ، والمقتضب ٤ / ٥١ ، والأصول ٢ / ٢٨٧.
(٤) الكتاب ١ / ٤٢ ، ٤٣.