سفاكي الدماء في التأريخ ، في ظل ثورة موسى بن عمران عليهالسلام ، الرّبانية ، لذلك تضيف الآية (مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ).
ليس المراد من «عاليا» هنا علو المنزلة ، بل هو إشارة إلى استشعاره العلو ، وإنّما علوه في الإسراف والتعدي ، كما جاء ذلك أيضا في الآية (٤) من سورة القصص (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) حتى أنّه ادعى الألوهية ، وسمى نفسه الرب الأعلى.
و «المسرف» من مادة «إسراف» ، أي كلّ تجاوز للحدود ، سواء في الأقوال أم الأفعال ، ولذلك استعملت كلمة المسرف في آيات القرآن المختلفة في شأن المجرمين الذين يتعدون الحدود في ظلمهم وفسادهم ، وكذلك أطلقت على العصاة المسرفين ، كما نقرأ ذلك في الآية (٥٣) من سورة الزمر (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ).
وتشير الآية التالية إلى نعمة أخرى من نعم الله سبحانه على بني إسرائيل ، فتقول : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) إلّا أنّهم لم يعرفوا قدر هذه النعمة ، فكفروا وعوقبوا.
وعلى هذا فإنّهم كانوا الأمة المختارة في عصرهم ، لأنّ المراد من العالمين البشر في ذلك العصر والزمان لا في كلّ القرون والأعصار ، لأنّ القرآن يخاطب الأمة الإسلامية بصراحة في الآية (١١٠) من سورة آل عمران ويقول : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).
وكذلك الحال بالنسبة إلى الأراضي التي ورثها بنو إسرائيل ، إذ يقول القرآن الكريم في الآية (١٣٧) من سورة الأعراف (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها) في حين أنّ بني إسرائيل لم يرثوا كلّ الأرض ، والمراد شرق منطقتهم وغربها.
ويعتقد بعض المفسّرين أنّه كان لبني إسرائيل بعض الميزات التي كانت منحصرة فيهم على مرّ التأريخ ، ومن جملتها كثرة الأنبياء ، إذ لم يظهر في أي قوم