المراتع الطبيعية والغابات ، ويهيج الأمواج المتلاطمة في قلوب المحيطات ، ويبعث الحركة والحياة في البحار ويثير أمواجها العظيمة ، ويحفظ الماء من التعفن والفساد ، وهذه الرياح نفسها هي التي تحرك السفن على وجه المحيطات والبحار وتجريها (١).
والطريف أنّ هذه الآيات تتحدث أوّلا عن آيات السماء والأرض وتقول في نهاية الآية الأولى : إنّها آيات «للمؤمنين» ، ثمّ تتناول الحديث في خلق الكائنات الحية فتقول في نهاية الآية الثانية : إنّها آيات «للموقنين» ، وبعد ذلك تتكلم في أنظمة النور والظلمة ، والرياح والأمطار ، ثمّ تقول : إنّها آيات للذين «يعقلون».
إنّ هذا التفاوت في التعبير لعله بسبب أنّ الإنسان يطوي ثلاث مراحل في سيره إلى معرفة الله سبحانه ليصل إلى هدفه ، فالأولى مرحلة «التفكر» ، والثانية مرحلة «اليقين» والعلم ، وبعدها مرحلة «الإيمان» أو ما يسمى بعقد القلب ، ولما كان الإيمان أشرف هذه المراحل ، ثمّ يأتي بعده اليقين ، وفي المرحلة الثالثة يأتي التفكير ، فقد وردت هذه المراحل حسب هذا الترتيب في الآيات المذكورة ، وإن كانت المراحل من ناحية الوجود الخارجي تبدأ بمرحلة التفكر ، ثمّ اليقين ، ثمّ الإيمان.
وبتعبير آخر فإنّ أهل الإيمان يرتقون إلى هذه المرحلة من خلال مشاهدة آيات الله سبحانه ، أمّا الذين ليسوا منهم فليصلوا إلى مرحلة اليقين أو إلى مرحلة التفكر على أقل التقادير.
وقد ذكر المفسّرون في هذا الباب وجوها أخرى أيضا ، وما قلناه هو الأنسب.
وتقول الآية الأخيرة ، إجمالا للبحوث الماضية ، وتبيانا لعظمة آيات القرآن وأهميتها : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ).
هل أنّ كلمة «تلك» إشارة إلى آيات القرآن ، أم إلى آيات الله والعلامات الدالة
__________________
(١) لقد وردت بحوث مفصلة حول آثار الرياح والأمطار في ذيل الآيات ٤٦ ـ ٥٠ من سورة الروم.