نعم ، بشّر كلّ أولئك بالعذاب الأليم.
ولما كان العذاب لا ينسجم مع البشارة ، فإنّ هذا التعبير ورد من باب السخرية والاستهزاء.
ثمّ تضيف الآية التي بعدها : (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً) (١).
في الحقيقة ، توجد لدى هؤلاء الجاهلين الأنانيين حالتان :
الأولى : أنّهم غالبا ما يسمعون آيات الله فلا يعبؤون بها ، ويمرون عليها دون اهتمام وتعظيم ، فكأنّهم لم يسمعوها أيضا.
والأخرى : أنّهم إذا سمعوها وأرادوا أن يهتموا بها ، فليس لهم من رد فعل إزاءها إلّا الاستهزاء والسخرية. وكلهم مشتركون في هاتين الحالتين ، فمرّة هذه ، وأخرى تلك ، وبناء على هذا فلا تعارض بين هذه الآية والتي قبلها.
والطريف أنّها تقول أوّلا : (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً) ثمّ لا تقول : إنّه يستهزئ فيما بعد بما علم ، بل تقول : إنّه يتخذ كلّ آياتنا هزوا ، سواء التي علمها والتي لم يعلمها ، وغاية الجهل أن ينكر الإنسان شيئا أو يستهزئ به وهو لم يفهمه أصلا ، وهذا خير دليل على عناد أولئك وتعصبهم.
ثمّ تصف الآية عقاب هؤلاء في النهاية فتقول : (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) ولم لا يكون الأمر كذلك ، فإنّ هؤلاء كانوا يريدون أن يضفوا على أنفسهم الهيبة والعزة والمكانة الاجتماعية من خلال الاستهزاء بآيات الله سبحانه ، إلّا أنّ الله تعالى سيجعل عقابهم تحقيرهم ومذلتهم وهوانهم ، ويبتليهم بعذاب القيامة المهين المذل ، فيسبحون على وجوههم مصفّدين مكبّلين ثمّ يرمون على تلك الحال في جهنم ، ويلاحقهم مع ذلك تقريع ملائكة العذاب وسخريتهم.
ومن هنا يتّضح لماذا وصف العذاب بالأليم في الآية السابقة ، وبالمهين هنا ،
__________________
(١) ينبغي الالتفات إلى أنّ ضمير (اتخذها) لا يعود على (شيئا) ، بل على (آياتنا).