وهناك احتمالات اخرى في تفسير هذه الآية ، منها أن الإنسان قد يشعر بخفة آلامه عند رؤية متألمين آخرين ، لأنّ المعروف (أن البلية إذا عمّت طابت) غير أنّه يقال لهؤلاء : لا يوجد هناك مثل تسلية الخاطر هذه ، بل ستغوصون في العذاب ، وعذاب الشياطين المشتركين معهم لا يبعث على تسلية الخاطر (١).
واحتملوا أيضا أن المصيبة عند ما تقع ، تخف وطأتها عند ما يجد الإنسان ثقلها موزعا بينه وبين أصدقائه ، ولكن هذه المسألة لا توجد هناك أيضا ، لأنّ لكل فرد سهما وافرا من العذاب ، من دون أن ينقص من عذاب الآخرين شيء!
لكن بملاحظة أن هذه الآية تكملة للآية السابقة ، فإنّ التّفسير الأوّل الذي اخترناه هو الأنسب.
ويترك القرآن هنا هذه الفئة وشأنها ، ويوجه الخطاب إلى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويتحدث عن الغافلين عمي القلوب الذي كذبوا ارتباطه بالله ، وهم من جنس من تقدم الكلام عنهم في الآيات السابقة ، فيقول : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
وقد ورد نظير هذا المعنى في آيات أخرى من القرآن الكريم ، حيث شبه المعاندين الذين لا أمل في هدايتهم ، والغارقين في الذنوب بالعمي والصم ، بل وبالأموات أحيانا.
فقد جاء في الآية (٤٢) من سورة يونس : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ).
وجاء في الآية (٨٠) من سورة النمل : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ). وآيات أخرى.
إن كل هذه التعابير توضح أن القرآن يقول بنوعين من السمع والبصر والحياة للإنسان : السمع والبصر والحياة الظاهريّة ، والسمع والبصر والحياة الباطنية ،
__________________
(١) بناء على هذا التّفسير ، فإنّ جملة (أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) ستكون فاعل (ينفع) لا نتيجته.