بالشرك والمعاصي الكثيرة ، وكان أقبحها تورّطهم في الانحراف الجنسي واللواط ، وأخيرا فقد أمر رهط من الملائكة بعذابهم وهلاكهم إلّا أنّهم مرّوا بإبراهيم قبل إهلاكهم.
وقد عرف إبراهيم من حال الضيف (الملائكة) أنّهم ماضون لأمر مهمّ ، ولم يكن هدفهم الوحيد البشرى بتولّد إسحاق ، لأنّ واحدا منهم كان كافيا لمهمّة «البشارة». أو لأنّهم كانوا عجلين فأحسّ بأنّ لديهم «مأمورية» مهمّة.
لذلك فإنّ أوّل آية من الآيات محلّ البحث تحكي بداية المحاورة فتقول : (قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) (١).
فأماط الملائكة اللثام عن «وجه الحقيقة» ومأموريتهم فـ (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ).
إنّهم قوم متلوّثين ـ إضافة إلى عقيدتهم الفاسدة ـ بأنواع الآثام والذنوب المختلفة المخزية القبيحة (٢).
ثمّ أضافوا قائلين : (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ) والتعبير بـ «حجارة من طين» هو ما أشارت إليه الآية ٨٢ من سورة هود بالقول من «سجّيل» وسجّيل كلمة فارسية الأصل مأخوذ من (سنگ+ گل) ثمّ صارت في العرب سجّيل ، فهي ليست صلبة كالحجر ولا رخوا كالورد ، ولعلّها في المجموع إشارة إلى هذا المعنى وهو أنّ هلاك قوم لوط المجرمين لم يكن يستلزم إنزال أحجار عظيمة وصخور وجلاميد من السماء ، بل كان يكفي أن يمطروا بأحجار صغيرة ليست صلبة جدّا كأنّها حبّات «المطر».
__________________
(١) ينبغي الالتفات إلى أنّ «خطب» لا يطلق على كلّ عمل ، بل هو خاصّ في الأمور والأعمال المهمّة في حين أنّ كلمات مثل عمل ، شغل ، أمر ، فعل ، لها معان عامّة.
(٢) ينبغي الالتفات إلى أنّه في سورة هود جاء التعبير هكذا : إنّا أرسلنا إلى قوم لوط ، وهذا التفاوت في التعابير بين الآيات محلّ البحث وآيات سورة هود هو لأنّ كلا من الآيات يذكر قسما ممّا جرى وبتعبير آخر هذه المسائل كلّها واقعة ، غاية ما في الأمر أنّ بعضها مذكور في الآيات محلّ البحث وبعضها في الآيات الآنفة من سورة هود.