ممّا جعلت كلّ شيء رميما.
أجل ، هذه قدرة الله التي تدمّر القوم الجبّارين بسرعة الريح المذهلة فلا تبقي منهم ومن ضجيجهم وصخبهم وغرورهم إلّا أجسادا تحوّلت رميما.
وهكذا أشارت الآية آنفة الذكر إشارة عابرة عن عاقبة قوم «عاد» الأثرياء الأقوياء الذين كانوا يقطنون الأحقاف وهي منطقة «ما بين عمان وحضرموت» ثمّ تصل النوبة إلى ثمود قوم صالح إذ أمهلهم الله قليلا ليتلقوا العذاب بعد ذلك .. فيقول الله فيهم : (وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ).
والمراد بـ (حَتَّى حِينٍ) هو الأيّام الثلاثة المشار إليها في الآية (٦٥) من سورة هود إمهالا لهم : (فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ).
ومع أنّ الله قد أنذرهم بواسطة نبيّهم «صالح» عليهالسلام مرارا .. إلّا أنّه إتماما للحجّة أمهلهم ثلاثة أيّام فلعلّهم يتداركون ما فرطوا في ماضيهم الأسود ويغسلوا صدأ الذنوب ـ بماء التوبة ـ عن قلوبهم وأرواحهم.
بل كما يقول بعض المفسّرين : ظهرت خلال الأيّام الثلاثة بعض التغيّرات في أبدانهم إذ صارت صفراء ثمّ حمرا ثمّ تحوّلت سودا .. لتكون نذيرا لهؤلاء القوم المعاندين ، إلّا أنّهم وللأسف لم يؤثّر فيهم أي شيء من هذه الأمور ولم ينزلوا عن مركب غرورهم.
أجل : (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ).
كلمة «عتوا» مشتقّة من العتوّ ـ على وزن غلوّ ـ ومعناه الإعراض «بالوجه» ، والانصراف عن طاعة الله ، والظاهر أنّ هذه الجملة إشارة إلى ما كان منهم من إعراض طوال الفترة التي دعاهم فيها نبيّهم صالح كالشرك وعبادة الأوثان والظلم وعقرهم الناقة التي كانت معجزة نبيّهم ، لا الإعراض الذي كان منهم خلال الأيّام الثلاثة فحسب ، وبدلا من أن يتوبوا وينيبوا غرقوا في غرورهم وغفلتهم.