غرارهم ومتلوّنا بلون المحيط ولم يستسلم للأمور الماديّة.
فبناء على ذلك لا تحزن ولا تكترث وواصل المسير بالصبر والاستقامة ، لأنّ مثل هذه الكلمات قيلت في أمثالك يا رسول الله من رجال الحقّ وأهله.
ثمّ يضيف القرآن هل أنّ هذه الأقوام الكافرة تواصت فيما بينها على توجيه هذه التّهمة إلى جميع الأنبياء : (أَتَواصَوْا بِهِ)؟!
وكان عملهم هذا إلى درجة من الانسجام ، وكأنّهم اجتمعوا في مجلس ـ في ما وراء التاريخ ـ وتشاوروا وتواصوا على أن يتّهموا الأنبياء عامّة بالسحر والجنون ليخفّفوا من وطأة نفوذهم في نفوس الناس!
ولعلّ كلّا منهم كان يريد أن يمضي من هذه الدنيا ويوصي أبناءه وأحبابه بذلك! ويعقّب القرآن على ذلك قائلا : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) (١).
وهذه هي إفرازات روح الطغيان حيث يتوسّلون بكلّ كذب واتّهام لإخراج أهل الحقّ من الساحة ، وحيث إنّ الأنبياء يأتون الناس بالمعجزات فإنّ خير ما يلصقونه بهم من التّهم أن يسموهم بالسحر أو الجنون ، فبناء على ذلك يكون عامل «وحدة عملهم» هذا هي الروحية الخبيثة والطاغية الواحدة لهم.
ولمزيد التسرّي عن قلب النّبي وتسليته يضيف القرآن : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ).
وكن مطمئنا بأنّك قد أدّيت ما عليك من التبليغ والرسالة (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ).
وإذا لم يستجب أولئك للحقّ فلا تحزن فهناك قلوب متعطّشة له جديرة بحمله وهي في انتظاره.
وهذه الجملة في الحقيقة تذكر بالآيات السابقة التي تدلّ على أنّ النّبي كان يتحرّق لقومه حتّى يؤمنوا ويتأثّر غاية التأثّر لعدم إيمانهم حتّى كاد يهلك نفسه من
__________________
(١) بل في الآية الآنفة للإضراب.