الخلق ، فهل عندهم خزائن الله (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) (١) ليهبوا من شاؤوا نعمة النبوّة والعلم أو الأرزاق الآخر ويمنعوا من شاؤوا ذلك : (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) على جميع العوالم وفي أيديهم امور الخلائق؟!
انّهم لا يستطيعون ـ أن يدّعوا أبدا أنّ عندهم خزائن الله تعالى ، ولا يملكون تسلّطا على تدبير العالم ، لأنّ ضعفهم وعجزهم إزاء أقل مرض بل حتّى على بعوضة تافهة وكذلك احتياجهم إلى الوسائل الابتدائية للحياة خير دليل على عدم قدرتهم وفقدان هيمنتهم! وإنّما يجرّهم إلى إنكار الحقائق هوى النفس والعناد وحبّ الجاه والتعصّب والأنانية!.
وكلمة : «مصيطرون» إشارة إلى أرباب الأنواع التي هي من خرافات القدماء ، إذ كانوا يعتقدون أنّ كلّ نوع من أنواع العالم إنسانا كان أمّ حيوانا آخر أم جمادا أم نباتا له مدبّر وربّ خاصّ يدعى بربّ النوع ويدعون الله «ربّ الأرباب» وهذه العقيدة تعدّ في نظر الإسلام «شركا» والقرآن في آياته يصرّح بأنّ التدبير لجميع الأشياء هو لله وحده ويصفه بربّ العالمين.
وأصل هذه الكلمة من «سطر» ومعناه صفّ الكلمات عند الكتابة ، و «المسيطر» كلمة تطلق على من له تسلّط على شيء ما ويقوم بتوجيهه ، كما أنّ الكاتب يكون مسيطرا على كلماته (وينبغي الالتفات إلى أنّ هذه الكلمة تكتب بالسين وبالصاد على السواء ـ مسيطر ومصيطر ـ فهما بمعنى واحد وإن كان الرسم القرآن المشهور بالصاد «مصيطر»).
ومن المعلوم أنّه لا منكرو النبوّة ولا المشركون في العصر الجاهلي ولا سواهما يدّعي أيّا من الأمور الخمسة التي ذكرها القرآن ، ولذلك فإنّه يشير إلى موضوع آخر في الآية التالية فيقول : إنّ هؤلاء هل يدعون أنّ الوحي ينزل عليهم
__________________
(١) الخزائن جمع الخزينة ومعناها مكان كلّ شيء محفوظ لا تصل إليه اليد ويدّخر فيه ما يريد الإنسان يقول القرآن في هذا الصدد (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) [الحجر الآية ٢١].