الباطنية والقرب المعنوي الخاصّ فلا تبقى أيّة مشكلة حينئذ.
توضيح ذلك : ممّا لا شكّ فيه أنّ الرؤية الحسّية لله غير ممكنة لا في الدنيا ولا في الاخرى .. لأنّ لازمها جسمانيّته وماديّته ، ولازم ذلك أيضا تغيّره وتحوّله وفساده وأنّه يحتاج إلى الزمان والمكان ، وهو مبرّأ عن كلّ ذلك لأنّه واجب الوجود.
إلّا أنّ الله سبحانه يمكن رؤيته بالرؤية العقلية والقلبية ، وهو ما أشار إليه أمير المؤمنين في جوابه على «ذعلب اليماني» : «لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان» (١).
لكن ينبغي الالتفات إلى أنّ الرؤية الباطنية على نحوين : رؤية عقلانية وتحصل عن طريق الاستدلال. واخرى رؤية قلبية ، وهي إدراك فوق إدراك العقل ورؤية وراء رؤيته!
هذا المقام لا ينبغي أن يدعى بمقام الاستدلال ، بل هو المشاهدة ، مشاهدة قلبية باطنية ، وهذا المقام يحصل لأولياء الله على درجاتهم المتفاوتة وسلسلة مراتبهم .. لأنّ الرؤية الباطنية هي على مراتب أيضا ولها درجات كثيرة ، وبالطبع فإنّ إدراك حقيقتها لمن لم يبلغ ذلك المقام في غاية الصعوبة.
ومن الآيات المتقدّمة بما فيها من قرائن مذكورة يمكن أن يستفاد أنّ نبي الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم في الوقت الذي كان ذا مقام مشهود وفي مقام الشهود ، فإنّه بلغ الأوج في طول عمره مرّتين فنال الشهود الكامل :
الأوّل : يحتمل أنّه كان في بداية البعثة ، والثاني في المعراج ، فبلغ مقاما قريبا من الله وتكشّفت عنه الحجب الكثيرة ، مقاما عجز عن بلوغه حتّى جبرئيل الذي هو من الملائكة المقرّبين.
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة ١٧٩.