وواضح أنّ تعابير مثل «فكان قاب قوسين أو أدنى» وأمثال ذلك إنّما هو كناية عن شدّة القرب ، وإلّا فإنّ الله ليس بينه وبين عبده فاصلة مكانية لتقاس بالقوس أو الذراع ، و «الرؤية» في الآيات ـ هنا ـ ليست رؤية بصرية أيضا ، بل الباطنية القلبية.
وفي البحوث السابقة في تفسير «لقاء الله» الوارد في آيات متعدّدة على أنّه من ميزات يوم القيامة مرارا قلنا إنّ هذا اللقاء على خلاف ما يتصوّر أصحاب الأفكار القصيرة ، والعقول الضيّقة بأنّه لقاء حسّي ومادّي ، بل هو نوع من الشهود الباطني وإن كان في المراحل الدنيا ولا يصل إلى مراحل لقاء الأنبياء والأولياء لله ، فكيف بمرحلة شهود النّبي الكامل ليلة المعراج!!
ومع ملاحظة هذا التوضيح تزول الإشكالات على هذا التّفسير ، وإذا روعيت بعض التعابير المخالفة للظاهر فلم تعامل بالمنطق الضيق وفسّرت بما وراء المسائل المادية فما يرد من إشكالات على هذا التّفسير لا يعدّ شيئا مهمّا بالقياس إلى ما يرد من إشكالات على التّفسير الأوّل ..
فمع الالتفات إلى ما قلناه نمرّ مرورا جديدا على الآيات محلّ البحث ونعالج مضمونها من هذا المنطلق والمنظار!
فعلى هذا التّفسير يبيّن القرآن نزول الوحي على النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالصورة التالية.
إنّ الله الذي هو شديد القوى علّم النّبي في وقت بلغ حدّ الكمال والاعتدال في الأفق الأعلى (١).
ثمّ قرب وصار أكثر اقترابا حتّى كان بينه وبين الله مقدار قاب قوسين أو أقل وهناك أوحى الله إليه ما أوحاه.
وحيث أنّ هذا اللقاء الباطني يصعب تصوّره لدى البعض ، فانّه يؤكّد أنّ ما رآه
__________________
(١) الضمير في : فاستوى والضمير في : وهو بالأفق الأعلى يمكن أن يعودا على شخص النبي ، كما يمكن أن يعودا على ذات الله المقدّسة.