وكما نلاحظ في هذه الآيات فإنّ البدو الإبهامي الذي كان يحيط الآيات المتقدّمة يحيط هذه الآيات أيضا التي تتضمّن ظلالا من المواضيع السابقة ، ومن أجل أن نفهم مفاد هذه الآيات لا بدّ من الرجوع إلى مفرداتها اللغوية أيضا.
النزلة : هي النّزول مرّة واحدة ، فالنزلة الاخرى تعني نزولا آخر ، ويستفاد من هذا التعبير أنّه حدثت نزلتان ، وهذا الموضوع يتعلّق بالنزلة الثانية (١).
والسدرة : على وزن حرفة ـ طبقا لتفسير أغلب علماء اللغة هي شجرة وريقة وريفة الظلال والتعبير بـ (سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) إشارة إلى شجرة ووريقة ذات ظلال وريفة في أوج السماوات في منتهى ما تعرج إليه الملائكة وأرواح الشهداء وعلوم الأنبياء وأعمال الناس. وهي مستقرّة في مكان لا تستطيع الملائكة أن تتجاوزه .. وحين بلغ جبرئيل أيضا في معراجه مع النّبي إلى ذلك المكان توقّف عنده ولم يتجاوزه!
ورغم أنّه لم يرد توضيح عن سدرة المنتهى في القرآن الكريم ، إلّا أن الأخبار والرّوايات الإسلامية ذكرت لها أوصافا كثيرة .. وجميعها كاشف عن أنّ انتخاب هذا التعبير هو لبيان نوع من التشبيه ولغاتنا قاصرة عن بيان مثل هذه الحقائق الكبرى.
ففي حديث عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «رأيت على كلّ ورقة من أوراقها ملكا قائما يسبّح الله تعالى» (٢).
كما جاء عن الإمام الصادق عليهالسلام نقلا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «انتهيت إلى سدرة المنتهى وإذا الورقة منها تظلّ امّة من الأمم» (٣).
__________________
(١) قال بعض أصحاب (اللغة) والمفسّرين معنى النزلة هنا «مرّة» وليس المراد منها النّزول ، فالنزلة الاخرى تعني المرّة الثانية لا غير ، لكن لا ندري لم عرفوا عن المادّة الأصلية للنزلة في حين أنّ غيرهم أشاروا إليها وفسّروها بما بيّنا آنفا [فلاحظوا بدقّة].
(٢) مجمع البيان : ذيل الآيات محلّ البحث.
(٣) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٥٥