والتعبير بـ «كم» في الآية يفيد العموم ، أي ليس لأي ملك أن يشفع دون إذن الله ورضاه ، لأنّ هذه اللفظة تفيد العموم في لغة العرب ، كما أنّ لفظة «كثير» تفيد العموم أحيانا وقد جاء في الآية ٧٠ من سورة الإسراء ما يدلّ على ذلك : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) أي فضّلنا بني آدم على جميع من خلقنا.
كما نجد هذا الاستعمال في شأن الشياطين إذ نقرأ الآية ٢٢٣ من سورة الشعراء قائلة : (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) مع أنّنا نعلم أنّ جميع الشياطين كاذبون (١).
أمّا الفرق بين «الإذن» و «الرضا» فهو ـ أنّ الإذن يعبّر عنه في مقام يكشف الإنسان عن رضاه الباطني ، إلّا أنّ الرضا .. أعمّ من ذلك ، وقد تستعمل كلمة «الرضا» لانسجام الطبع مع ما يفعل ، وحيث أنّ الإنسان قد يأذن بشيء ما دون أن يكون راضيا في قلبه فقد جاءت كلمة «يرضى» تأكيدا على الإذن ، وإن كان الإذن والرضا عند الله لا ينفصل بعضهما عن بعض ولا مجال (للتقيّة) عند الله!
* * *
تعقيب
١ ـ سعة الأماني :
الأمل أو التمنّي إنّما ينبع من محدودية قدرة الإنسان وضعفه الإنسان إذا كانت له علاقة بالشيء ولم يستطع أن يبلغه ويحقّقه فانّه يأخذ صورة التمنّي عنده .. وإذا استطاع الإنسان أن يحقّق كلّ ما يريده ويرغب فيه ، لم يكن للتمنّي من معنى!
وبالطبع قد تكون أمانيّ الإنسان أحيانا نابعة من روحه العالية وباعثا على الحركة والجدّ والنشاط والجهاد وسيره التكاملي .. كما لو تمنّى بأن يتقدّم الناس بالعلم والتقوى والشخصيّة والكرامة!
__________________
(١) مع أنّ كلمة ملك في الآية مفردة فقد عاد الضمير عليها جمعا في «شفاعتهم» وذلك لمفهوم الكلام ورعاية للمعنى!