ويتحدّث القرآن في ذيل الآية عن علم الله المطلق مؤكّدا عدالته في مجازاة عباده حسب أعمالهم فيقول : (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) (١).
وقوله : «أنشأكم من الأرض» أمّا هو باعتبار الخلق الأوّل عن طريق آدم عليهالسلام الذي خلقه من تراب ، أو باعتبار أنّ ما يتشكّل منه وجود الإنسان كلّه من الأرض ، حيث له الأثر الكبير في التغذية وتركيب النطفة ، ثمّ بعد ذلك له الأثر في مراحل نمو الإنسان أيضا.
وعلى كلّ حال ، فإنّ الهدف من هذه الآية أنّ الله مطّلع على أحوالكم وعليم بكم منذ كنتم ذرّات في الأرض ومن يوم انعقدت نطفتكم في أرحام الامّهات في أسجاف من الظلمات فكيف ـ مع هذه الحال ـ لا يعلم أعمالكم؟!
وهذا التعبير مقدّمة لما يليه من قوله تعالى : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى)!
فلا حاجة لتعريفكم وتزكيتكم وبيان أعمالكم الصالحة ، فهو مطّلع على أعمالكم وعلى ميزان خلوص نيّاتكم ، وهو أعرف بكم منكم ، ويعلم صفاتكم الداخلية والخارجية.
قال بعض المفسّرين أنّ الآيتين آنفتي الذكر نزلتا في جماعة كانوا يمدحون أنفسهم بعد أداء الصوم أو الصلاة فيقولون : إنّنا صلّينا وصمنا وقمنا بكذا وكذا. فنزلت الآيتان ونهتهم عن تزكية الأنفس (٢).
* * *
__________________
(١) الأجنّة : جمع جنين : الطفل الذي في بطن امّه ..
(٢) روح المعاني ، ج ٧ ، ص ٥٥.