فتبدأ الآية الاولى من الآيات محلّ البحث فتقول : (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) وصف عاد بـ «الاولى» إمّا لقدمها حتّى أنّ العرب تطلق على كلّ قديم أنّه «عاديّ» أو لوجود امّتين في التاريخ باسم «عاد» والامّة المعروفة التي كانت نبيّها هود عليهالسلام تدعى بـ «عاد الاولى» (١).
ويضيف القرآن في الآية التالية قائلا : (وَثَمُودَ فَما أَبْقى).
ويقول في شأن قوم نوح : (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى).
لأنّ نبيّهم نوحا عاش معهم زمانا طويلا ، وبذل قصارى جهده في إبلاغهم ونصحهم ، فلم يستجب لدعوته إلّا قليل منهم ، وأصرّوا على شركهم وكفرهم وعتوّهم واستكبار هم وإيذائهم نبيّهم نوحا وتكذيبهم إيّاه وعبادة الأوثان بشكل فظيع كما سنعرض تفصيل ذلك في تفسير سورة نوح إن شاء الله.
وأمّا رابعة الأمم فهي «قوم لوط» المشار إليهم بقوله تعالى : (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى).
والظاهر أنّ زلزلة شديدة أصابت حيّهم وقريتهم فقذفت عماراتهم نحو السماء بعد اقتلاعها من الأرض وقلبتها على الأرض ، وطبقا لبعض الرّوايات كان جبرئيل قد اقتلعها بإذن الله وجعل عاليها سافلها ودمّرها تدميرا .. (فَغَشَّاها ما غَشَّى) (٢).
أجل .. لقد أمطروا بحجارة من السماء ، فغشّت حيّهم وعماراتهم المنقلبة ودفنتها عن آخرها.
وبالرغم من أنّ التعبير في هذه الآية والآية السابقة لم يصرّح بقوم لوط ، إلّا
__________________
في الآية ٣٨ ألا تزر وازرة وزر اخرى وآخرها وأنّه أهلك عادا الاولى.
(١) مجمع البيان وروح المعاني ، وتفسير الرازي.
(٢) «ما» في ما غشّى يمكن أن تكون مفعولا به أو فاعلا نظير والسماء وما بناها إلّا أنّ الاحتمال الأوّل أكثر انسجاما مع ظاهر الآية .. وعلى كلّ حال فإنّ هذا التعبير يأتي للتهويل!