(قالُوا).
ثمّ يضيف تعالى أنّ نوح عند ما يئس من هداية قومه تماما : (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (١).
والغلبة المذكورة في الآية الكريمة لم تكن غلبة في الحجّة والدليل أو البرهان على عدم صحّة الدعوة ، وإنّما كانت تتجسّد بالظلم والجناية والتكذيب والإنكار وأنواع الزجر والضغوط ... ولهذا فإنّ هؤلاء القوم لا يستحقّون البقاء ، فانتقم لنا منهم وانصرنا عليهم.
نعم ، فهذا النّبي العظيم كان يطلب من الله المغفرة لقومه ما دام يأمل في هدايتهم وصلاحهم ، ولكن عند ما يئس منهم غضب عليهم ولعنهم ودعا ربّه أنّ ينتقم منهم.
ثمّ يشير هنا إشارة معبّرة وقويّة في كيفية العذاب الذي ابتلوا به وصبّ عليهم حيث يقول سبحانه : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ).
إنّ تعبير انفتاح أبواب السماء لتعبير رائع جدّا ، ويستعمل عادة عند هطول الأمطار الغزيرة.
(منهمر) من مادّة (همر) على وزن (صبر) وتعني النّزول الشديد للدموع أو الماء ، ويستعمل هذا التعبير أيضا عند ما يستدر الحليب من الضرع حتّى النهاية.
والعجيب هنا أنّه ورد في أقوال المفسّرين أنّ قوم نوح كانوا قد أصيبوا بالجدب لعدّة سنوات قد خلت ، وكانوا يرتقبون بتلهّف سقوط المطر عليهم ، وفجأة ينزل المطر ولكن لا ليحيي أرضهم ويزيد خيرهم بل ما حقا ومميتا لهم (٢).
ويذكر أنّ الماء الذي أدّى إلى الطوفان لم يكن من هطول الأمطار فقط ، بل
__________________
(١) (انتصر) : طلب العون كما في الآية (٤١) سورة الشورى ، وهنا جاءت بمعنى طلب الانتقام على أساس العدل والحكمة كما فسّرها البعض في التقدير (انتصر لي).
(٢) روح المعاني هامش الآية مورد البحث.