نوح وأصحابه إلى مجموعة من المسامير وقطع من الخشب ، وأنّها أدّت هذه الوظيفة على أحسن وجه ، وهكذا تتجلّى القدرة الإلهيّة العظيمة.
ويمكن أن يستفاد من هذا التعبير طبيعة البساطة التي كانت عليها سفن ذلك الزمان والتي هي بعيدة عن التعقيد والتكلّف قياسا مع السفن المتقدّمة في العصور اللاحقة. ومع ذلك فإنّ سفينة نوح عليهالسلام كان حجمها بالقدر المطلوب وطبق الحاجة ، وطبقا للتواريخ فإنّ نوح عليهالسلام قد أمضى عدّة سنين في صنعها كي يتمكّن من وضع (من كلّ زوجين إثنين) من مختلف الحيوانات فيها.
ويشير سبحانه إلى لطف عنايته للسفينة المخصّصة لنجاة نوح عليهالسلام حيث يقول سبحانه (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) أي أنّ هذه السفينة تسير بالعلم والمشيئة الإلهيّة ، وتشقّ الأمواج العالية بقوّة وتستمر في حركتها تحت رعايتنا وحفظنا.
إنّ التعبير (بأعيننا) كناية ظريفة للدلالة على المراقبة والرعاية للشيء ويتجسّد هذا المعنى بوضوح في قوله تعالى في الآية (٣٧) من سورة هود : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا).
بعض المفسّرين ذهبوا إلى أنّ المقصود من (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) هو الإشارة إلى الشخصيات المهمّة التي كانت على ظهر السفينة ، وبناء على هذا فإنّ المقصود من قوله تعالى : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) (١) أنّ تلك السفينة كانت تحمل عباد الله الخالصين المخلصين ، ونظرا لطبيعة الموارد التي استعمل فيها هذا التعبير في الآيات القرآنية الاخرى فإنّ الرأي الأوّل هو الأصحّ.
ويحتمل أيضا أنّ المراد بجملة (بأعيننا) هو الملائكة التي كان لها الأثر في هداية سفينة نوح عليهالسلام ، ولكن هذا الرأي ضعيف أيضا لسبب أعلاه.
ثمّ يضيف تعالى : (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) (٢).
__________________
(١) «أعين» جمع عين ، وإحدى معانيها العين الباصرة ، والمعنى الآخر لها هو : الشخصية المعتبرة ، ولها معان اخرى.
(٢) يجدر بالملاحظة هنا أنّ فعل (كفر) مبني للمجهول ، والمراد به نوح عليهالسلام الذي كفر به ، وليس فعلا معلوما يشير إلى