نعم إنّ نوح عليهالسلام كسائر الأنبياء الإلهيين يعتبر نعمة إلهيّة عظيمة وموهبة من مواهبه الكبيرة على البشرية ، إلّا أنّ قومه الحمقى كفروا به وبرسالته (١).
ثمّ يقول سبحانه وكنتيجة لهذه القصّة العظيمة موضع العظّة والإعتبار : (وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).
والحقيقة أنّ كلّ ما كان يستحقّ الذكر في هذه القصّة قد قيل ، وكلّما ينبغي للإنسان الواعي المتّعظ أن يدركه فهو موجود.
واستنادا إلى هذا التّفسير المنسجم مع الآيات السابقة واللاحقة ، فإنّ الضمير في (تركناها) يرجع إلى قصّة الطوفان وماضي نوح عليهالسلام ومخالفيه. ولكن البعض يرى أنّ المراد هو (سفينة نوح) لأنّها بقيت مدّة من الزمن شاخصة لأنظار العالم ، وكلّما يراها أحد تتجسّد أمامه قصّة الطوفان الذي حلّ بقوم نوح عليهالسلام ، ومع علمنا بأنّ بقايا سفينة نوح عليهالسلام كانت حتّى عصر الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم كما أنّ البعض من المعاصرين ادّعى رؤية بقاياها في جبال (آرارات) في القفقاز ، عندئذ يمكن أن يكون المعنيان مقصودين في الآية الكريمة.
ولهذا فإنّ قصّة نوح عليهالسلام كانت آية للعالمين ، وكذا سفينته التي بقيت ردحا من الزمن بين الناس (٢).
وفي الآية اللاحقة يطرح الله سبحانه سؤالا معبّرا ومهدّدا للكافرين الذين اتّبعوا نفس المنهج الذي كان عليه قوم نوح حيث يقول سبحانه : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ).
هل هذه حقيقة واقعة ، أم قصّة واسطورة؟
__________________
الكفّار.
(١) إذا لم يكن في الآية شيء مقدّر فيكون نائب الفاعل للفعل (كفر) هو شخص نوح عليهالسلام حين أنّه عليهالسلام يكون النعمة التي (كفر) بها ، أمّا إذا قلنا أنّ للآية محذوف مقدّر ، فيكون تقديره (كفر به) فعندئذ تكون إشارة إلى عدم الإيمان بنوح عليهالسلام وتعاليمه.
(٢) لقد ذكرت أبحاث مفصّلة حول قصة قوم نوح عليهالسلام في هامش الآيات الكريمة ٢٥ ـ ٤٩ من سورة هود