هذه الإشكالات التي تحكي السطحية في التفكير كانت تتناقلها وتتداولها أجيال المشركين جيلا بعد جيل للتشكيك في الرسالات الإلهيّة ، وذلك لتصوّرهم أنّ من كان خلال افتراضهم أنّ من يتصدّى لهذه المهمّة لا بدّ أن يكون ذا قوّة وقوم ومال ونسب وجاه ومنصب فهو شخصية مهمّة ، وهذه الأمور تدلّ على شخصية وكرامة الإنسان ، في حين أنّ أكثر العناصر الظالمة والمتجبّرة هي المتّصفة بالصفات السابقة.
ويمكن تفسير الآية أيضا ـ كما اختاره بعض المفسّرين ـ على ضوء التساؤلات التي أطلقها قوم ثمود والتي تتركّز بما يلي : ما هي علّة نزول الوحي على صالح عليهالسلام؟ ولماذا لم ينزل علينا جميعا؟ ، وما هي المميّزات التي اختصر بها صالح عليهالسلام ليتميّز علينا بهذا الخصوص!؟ وهذا المعنى ورد أيضا في سورة المدثر ، الآية ٥٢ حيث يقول سبحانه في ذلك : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً).
ثمّ تختتم الآية بقوله سبحانه : (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) وذلك اتّهاما لصالح عليهالسلام بالكذب فيما ادّعاه من اختصاص من الوحي به وإنذار قومه وأنّه يريد أن يتحكّم علينا ويجعل كلّ أمورنا تحت قبضته ويسيرنا وفق هواه وإرادته ..
(أشر) وصف من مادّة (أشر) على وزن (قمر) بمعنى بطر ومرح زائد عن الحدّ.
ويردّ البارئ عزوجل عليهم بصورة قاطعة بقوله : (سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ).
وعند ما يدركهم العذاب الإلهي ويسوّيهم مع التراب ويحوّلهم رمادا ، وبعد أن يجازيهم الله بأعمالهم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ... عندئذ سيدركون حقيقة اتّهاماتهم الزائفة التي اتّهموا بها نبي من أنبياء الله المقرّبين ، وسيعلمون أيضا أنّ هذه الافتراءات هي أحقّ بهم وألصق.
ومعلوم أنّ المراد من «غدا» هو المستقبل القريب ، وإنّه حقّا لتعبير رائع.