والسؤال المطروح هنا : في الوقت الذي نزلت هذه الآيات على قوم ثمود كان العذاب قد وقع عليهم مجازاة لأعمالهم ، فما معنى (سيعلمون) مع أنّهم قد هلكوا؟
هنالك إجابتان على هذا السؤال :
الأولى : إنّ حديث الآيات الكريمة كان موجّها للنبي صالح عليهالسلام ، ومن المعلوم أنّ العذاب لم يكن قد نزل بهم حينئذ.
الثّانية : إنّ المقصود من (غدا) هو يوم القيامة الذي سيظهر فيه كلّ شيء بوضوح. (والتّفسير الأوّل هو الأنسب عند ملاحظة الآيات اللاحقة).
وهنا يطرح تساؤل آخر : لماذا قال تعالى : (سَيَعْلَمُونَ غَداً)؟ في الوقت الذي لمس مشركو قوم ثمود صدق دعوة النّبي صالح عليهالسلام لما شاهدوه من معجزاته غير القابلة للإنكار؟
ويتّضح الجواب على هذا التساؤل إذا علمنا أنّ للعلم مراتب ، ويمكن إنكاره من قبل الآخرين في بعض مراتبه ، وقد يصل العلم بهم إلى مرتبة ، لا يمكن إنكارها لما تمثّله من حقيقة صارخة متجسّدة للعيان ، والمقصود هنا من جملة : (سَيَعْلَمُونَ غَداً) هو العلم الحقيقي الذي لا يمكن إنكاره ، والذي هو حقيقة العذاب الذي سيحلّ بقوم ثمود بصورة لا ريب فيها مطلقا.
ثمّ يشير سبحانه إلى قصّة «الناقة» التي أرسلت كمعجزة ودلالة على صدق دعوة صالح عليهالسلام حيث يقول : (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ).
(الناقة) أنثى البعير ، وهي ليست كبقيّة النوق لما تتّصف به من خصوصيات خارقة للعادة ، وطبقا للروايات المشهورة فإنّ هذه الناقة قد خرجت من بطن صخرة جبل حجّة دامغة للمنكرين والمعاندين.
معنى «الفتنة» ـ كما مرّ في بحث سابق ـ هو التمحيص والاختبار ، واكتشاف مدى الإخلاص والصفاء والاستقامة عند الإنسان.
ومن الواضح أنّ قوم ثمود قد جعلوا أمام إمتحان عسير ، حيث يستعرض