ويواجه القرآن الكريم هؤلاء السادرين في غيّهم بإخبار غيبي حاسم وقوي ، حيث يقول : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (١).
والظريف هنا أن سيهزم من مادّة (هزم) على وزن (جزم) وفي الأصل بمعنى الضغط على الجسم اليابس لحدّ التلاشي. ولهذا السبب استعملت هذه الكلمة (هزم) في حالة تدمير الجيوش وانكسارها.
وربّما أشار هذا التعبير إلى النقطة التالية وهي : رغم حالة الاتّحاد والانسجام لهؤلاء القوم ظاهرا ، إلّا أنّهم كالموجودات اليابسة والفاقدة للروح ، فبمجرّد تعرّضها إلى ضغط قوي تتهشّم ، ونرى عكس ذلك في المؤمنين المتصّفين بالقوّة المقترنة بالمرونة ، حيث أنّهم إذا ثقلت عليهم المحن واشتدّت الأزمات وأحنتهم العاصفة فإنّهم سرعان ما يستعيدوا قواهم مرّة اخرى ليواجهوا مصاعب الحياة.
«دبر» بمعنى «خلف» في مقابل (القبل) بمعنى «أمام» ، وسبب ذكر هذه الكلمة هنا لبيان حالة الفرار من ساحة المعركة بصورة كليّة.
لقد صدق هذا التنبّؤ في معركة بدر وسائر الحروب الاخرى حيث كانت هزيمة الكفّار ساحقة ، فإنّه رغم قدرتهم وقوّتهم فقد تلاشى جمعهم.
وفي آخر الآية مورد البحث يشير سبحانه إلى أنّ الهزيمة التي مني بها المشركون سوف لن تكون في الدنيا فقط ، وإنّما هي في الآخرة أشدّ وأدهى ، حيث يقول البارئ عزوجل : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ).
وعلى هذا التصوّر ، فما عليهم إلّا أن ينتظروا هزيمة ما حقة في الدنيا ، ومصيرا سيّئا واندحارا أمرّ وأكثر بؤسا في الآخرة.
«أدهى» من مادّة (دهو) و (دهاء) بمعنى المصيبة والكارثة العظيمة والتي لا مخرج منها ولا نجاة ، ولا علاج لها ، وتأتي أيضا بمعنى الذكاء الشديد ، إلّا أنّ
__________________
(١) مع العلم أنّ من المناسب أن يقال (يولّون الأدبار) إلّا أنّه قيل هنا : (يولّون الدبر) ، لأنّ لهذه المعنى (جنس) حيث تكون في حكم الجمع.