وتتحدّث الآية الاولى ـ مورد البحث ـ عن ذلك حيث يقول سبحانه : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (١).
يقول البارئ عزوجل : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) حيث يبيّن الله سبحانه أنّ العذاب الإلهي واقع عليهم ولا ريب فيه ، وسيواجهونه عمليّا رغم استهزائهم وسخريتهم وادّعائهم أنّه من نسج الأساطير.
«سقر» على وزن (سفر) وفي الأصل بمعنى تغيّر لون الجلد وتألّمه من أشعّة الشمس وما إلى ذلك. ولأنّ إمكانية تغيير لون الجلد وألمه الشديد من خصوصيات نار جهنّم ، لذا أطلق اسم (سقر) عليها. والمراد من (مسّ) هو حالة التماس واللمس ، وبناء على هذا فيقال في أهل النار : ذوقوا لمس نار جهنّم وحرارتها اللاذعة ، ذوقوا طعمها ، هل هي أكاذيب وخرافات وأساطير ، أم أنّها الحقيقة الصارخة؟
ويعتقد البعض أنّ (سقر) ليس اسم كلّ النار ، بل هو اسم مختّص بجانب منها تكون فيه النار حامية لدرجة مذهلة وخارقة.
وفي ثواب الأعمال عن الصادق عليهالسلام : «إنّ في جهنّم لواديا للمتكبّرين يقال له سقر شكا إلى الله شدّة حرّة ، وسأله أن يأذن له أن يتنفّس فأحرق جهنّم» (٢).
ولكي لا يتصوّر أنّ هذه الشدّة في العذاب لا تتناسب مع المعاصي ، يقول سبحانه : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ).
نعم إنّ عذابهم في هذه الدنيا كان بتقدير وحساب ، وكذلك سيكون عقابهم المؤلم في الآخرة ، وليس الجزاء فقط ، ذلك أنّ الله سبحانه خلق كلّ شيء بحساب
__________________
(١) «سعر» : كما بيّنا سابقا في آخر الآية (٢٤) من نفس السورة لها معنيان : الأوّل : انّها جمع سعير بمعنى اشتعال النار. والثّاني : بمعنى الجنون ، والهيجان الذي يلازمه اضطراب التوازن الفكري ، وفي الآية مورد البحث يمكن أن يكون بالمعنيين معا ، وإذا قصدنا المعنى الثاني فيكون مفهوم الآية كذلك : أنّهم كانوا يقولون إذا اتّبعنا إنسانا مثلنا فإذا نحن في ضلال وجنون ، وهنا يردّ القرآن الكريم عليهم بقوله : ستعلمون يوم القيامة آثاركم وتكذيبكم للأنبياء هو الضلال والجنون.
(٢) تفسير الصافي ذيل الآية مورد البحث.