استعمالا ، لذا يتبادر إلى الذهن معناها الأخير.
وعلى كلّ حال فإنّه إنذار آخر لهؤلاء العاصين والمغفّلين والجهلة.
ولمّا كانت السنّة المتّبعة في القرآن الكريم غالبا ما تعتمد المقارنة بين جبهة الصلاح والهدى من جهة ، وجبهة الفساد والضلال من جهة اخرى ، لأنّ في المقارنة يبرز التفاوت والاختلاف بصورة أفضل ، فهنا أيضا بعد الحديث عن مصير الكفّار والمجرمين يشير سبحانه إشارة مختصرة إلى العاقبة السعيدة والحبور العظيم الذي يكون من نصيب المتّقين حيث يقول سبحانه : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ).
(نهر) على وزن (قمر) ، وكذلك (نهر) على وزن (قهر) والاثنان يعنيان مجرى الماء الكثير ، ولهذا يطلق على الفضاء الواسع كذلك ، أو الفيض العظيم أو النور المنتشر (نهر) ـ على وزن قمر ـ.
وبغضّ النظر عن الحديث اللاحق ، يمكن أن يكون هذا المصطلح في الآية أعلاه بنفس المعنى الأصلي ، أي أنّ كلمة (نهر) بمعنى نهر الماء ، ولا إشكال في كون الكلمة بصيغة المفرد ، لكونها تدلّ على معنى الجنس والجمع ، فينسجم مع (جنّات) جمع «جنّة» ، ويمكن أن يكون المراد منها هو اتّساع الفيض الإلهي والنور العظيم في ظلال الجنّة ورحابها الواسعة ، وبذلك تشمل المعنيين.
ولكن نقرأ هنا في حديث للرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم والذي نقل عن الدرّ المنثور أنّه قال : «النهر : الفضاء والسعة ، وليس بنهر جار» (١).
وفي آخر آية مورد البحث والتي هي آخر آية في سورة القمر يوضّح البارئ بصورة أكثر (مستقر المتّقين) حيث يقول سبحانه أنّهم : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ).
ويا له من وصف رائع وظريف! حيث أنّ هذا الوصف يتميّز بخصوصيتين
__________________
(١) الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ١٣٩.