المسؤوليات والتكاليف ستكون بلا معنى حيث أنّ فقدان الإرادة يجعلنا مجبورين في أعمالنا ، وهذا خلاف التقدير الإلهي.
ونلاحظ في مقابل إفراط (الجبريين) تفريط جماعة (القدريين) أو المفوّضة الذين يذهبون صراحة إلى القول بأنّ الله لا يتدخّل في أعمالنا وممارساتنا ، حيث إنّهم يحدّون ويحجمون دائرة الهيمنة الإلهيّة على الإنسان ويعتقدون باستقلاليتهم تماما عن المشيئة الإلهيّة ، وبذلك سلكوا طريق الشرك من هذه الجهة.
والحقيقة أنّ الجمع بين أصلي (التوحيد والعدل) يحتاج إلى دقّة وضبط ، فلو فسّرنا التوحيد بأنّ الله خالق كلّ شيء حتّى أعمالنا بشكل لا نملك أي إختيار فيها فإنّنا نكون بذلك قد أنكرنا أصل العدل ، لأنّ مقترفي الذنوب مجبرون على ارتكاب المعاصي ثمّ ينتظرهم الجزاء المتمثّل بالعقاب ، وهذا خلاف العدالة.
وإذا فسّرنا «العدل» بأنّ الله تعالى ليس له أي لون من التدخّل في أعمالنا فإنّنا سنخرج الإرادة الإلهيّة من الهيمنة علينا ، وعندئذ نقع في وادي الشرك.
ويمثّل مفهوم «الأمر بين الأمرين» الإيمان الخالص والصراط المستقيم وخطّ الوسط بين (الجبريين والقدريين) وهو أن نعتقد بأنّنا مختارين ، واختيارنا هذا يكون ضمن الهيمنة الإلهية ، حيث تستطيع الإرادة الإلهية في أي لحظة أن تسلب منّا هذا الإختيار ، وهذا ما يذهب إليه أهل البيت عليهمالسلام.
والنقطة الجديرة بالذكر أنّه وردت في نهاية الآيات مورد البحث روايات عديدة في ذمّ هاتين الجماعتين في كتب تفسير أهل السنّة والشيعة ، ومن جملتها نقرأ في حديث النّبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث يقول : «صنفان من امّتي ليس لهم في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية ، أنزلت فيهم آية في كتاب الله : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ)» (١).
__________________
(١) تفسير روح المعاني نقل عن البخاري والترمذي وابن ماجة وابن عدي وابن مردويه وابن عبّاس ، ج ٢٧ ، ص ٨١ ، وذكر القرطبي مثل هذا الحديث في تفسيره ، ج ٩ ، ص ٦٣٨.