بل حتّى تشبيه (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (١) (٢).
وعند ما يتحدّث عن الأمر الإلهي في يوم القيامة ويشبهه بـ (لمح بالبصر) يضيف (أو هو أقرب).
وعلى كلّ حال فإنّ الحديث هنا عن الزمان حسب التعبيرات اليومية لنا ، وكذلك فإنّ القرآن الكريم يخاطبنا بلغتنا ، وإلّا فإنّ أوامر الله تعالى فوق الزمان.
وضمنا فإنّ التعبير بـ (واحدة) يمكن أن يكون إشارة لهذا المعنى ، وهو أنّ أمرا واحدا يكفي ولا يحتاج إلى تكرار ، أو أنّها إشارة إلى أنّ أمره تعالى حول الصغير والكبير وحتّى خلق السموات الواسعة أجمع لا يختلف عن خلقه لذرّة التراب.
وفي الأصل فإنّ الكبير والصغير والسهل الصعب يكون في مقاييسنا الفكرية المحدودة وقدرتنا الضئيلة ، أمّا عند ما يكون الحديث عن القدرة الإلهية العظيمة فإنّ هذه المفاهيم تتلاشى تماما ، ويصبح الكلّ بلون واحد وشكل واحد ، (فتدبّر).
ويطرح هنا «سؤال» : وهو إذا صحّ معنى الجملة أعلاه وهو أنّ كلّ شيء يوجد آنا (في الآن) فإنّ هذا الأمر لا يتناسب مع مشاهدة التدرّج في حوادث العالم.
ويتّضح «الجواب» عند ما نلاحظ هذه النقطة ، وهي أنّ أمره تعالى في كلّ مكان وكلّ شيء هو (كلمة واحدة) والتي تكون أسرع من لمح البصر ، ولكن محتوى الأمر الإلهي متفاوت ومختلف ، فإذا صدر الأمر الإلهي للجنين أن يكمل دورته تسعة أشهر ، فلن تزيد وتنقص لحظة واحدة. والفورية هنا هي أن يكمل الجنين الدورة في نهاية المدّة المحدّدة ، ولو اعطي أمر للكرة الأرضية أن تدور في كلّ أربع وعشرين ساعة مرّة حول نفسها؟ فإنّ هذا الأمر غير قابل للتخلّف ، وبتعبير آخر فإنّ تنفيذ أمره تعالى لا يحتاج إلى أيّ وقت زماني ، والموجود هنا هو محتوى الأمر. ومن خلال معرفة السنّة التدريجية للعالم المادّي وخاصيّته
__________________
(١) «لمح» على وزن (مسح) والأصل بمعنى لمعان البرق ثمّ جاءت بمعنى النظر السريع.
(٢) النحل ، ٧٧.