للوصول إلى السعادة والخيرات المادية والمعنوية.
والظريف هنا أنّ بيان نعمة (تعليم القرآن) ذكرت قبل (خَلَقَ الْإِنْسانَ) و (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون الإشارة أوّلا إلى مسألة خلق الإنسان ، ومن ثمّ نعمة تعليم البيان ، ثمّ نعمة تعليم القرآن ، وذلك استنادا للترتيب الطبيعي ، إلّا أنّ عظمة القرآن الكريم أوجبت أن نعمل خلافا للترتيب المفترض.
وقد جاءت هذه الآية جوابا لمشركي العرب حينما طلب منهم الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم السجود للرحمن ، فسألوه «وما الرحمن»؟ (ـ الفرقان ـ) فأجابهم بتوضيح ذلك حيث يقول سبحانه : «الرحمن هو الذي علّم القرآن وخلق الإنسان وعلّمه البيان».
وعلى كلّ حال فإنّ لاسم «الرحمن» أوسع المفاهيم بين أسماء البارئ عزوجل بعد اسم الجلالة (الله) لأنّنا نعلم أنّ لله رحمتين : (الرحمة العامّة) و (الرحمة الخاصّة) واسم «الرحمن» يشير إلى رحمة الله العامّة التي تشمل الجميع ، كما أنّ اسم «الرحيم» يشير إلى «الرحمة الخاصّة» بأهل الإيمان والطاعة ، ولعلّه لهذا السبب لا يطلق اسم الرحمن على غير الله سبحانه (إلّا إذا كانت كلمة عبد قبله) ، أمّا وصف «الرحيم» فيقال لغير الله أيضا ، وذلك لأنّه لا أحد لديه الرحمة العامّة سوى الله تعالى ، الرحمة أمّا الرحمة الخاصّة فإنّها موجودة في المخلوقات وإن كانت بصورة محدودة.
وفي حديث للإمام الصادق عليهالسلام نقرأ ما يلي : «الرحمن اسم خاصّ بصفة عامّة ، والرحيم اسم عام بصفة خاصّة». (يعني أنّه اسم مخصوص لله ، ورحمته تشمل جميع خلقه) ، لكن الرحيم اسم عام لصفة خاصّة (يعني أنّه وصف يستعمل لله وللخلق) ، وكما عرّف القرآن المجيد الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنّه (رؤوف رحيم) حيث يقول سبحانه : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ). (١)
__________________
(١) التوبة ، ١٢٨.