التجاري ... فإنّها جميعا نعم من قبل الله سبحانه.
ثمّ ينتقل سبحانه من السماء إلى الأرض فيقول عزوجل : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) «الأنام» فسّرها البعض بمعنى (الناس) ، وفسّرها آخرون بمعنى (الإنس والجنّ) ، وفسّروها أيضا بأنّها تشمل كلّ موجود (ذي روح).
إلّا أنّ قسما من أئمّة اللغة فسّرها بمطلق (الخلق) ولكن القرائن الموجودة في السورة وطبيعة النداءات الموجّهة للإنس والجنّ تدلّل على أنّها المقصود هنا (الجنّ والإنس).
نعم ، إنّ الكرة الأرضية التي ذكرت هنا بعنوان هبة إلهيّة مهمّة ، وفي آيات اخرى ذكرت بعنوان (مهاد) مأوى ومستقرّ للإنسان الذي لا يدرك قدرها غالبا في الحالات الاعتيادية ، إلّا أنّه في حالة حدوث تغيّر بسيط كزلزلة مدمّرة أو بركان بإمكانه أن يدفن مدينة بأكملها تحت المواد المذابة وعتمة الدخان ولهيب النار ، هنا ندرك كم أنّ هدوء الأرض نعمة عظيمة ، خصوصا إذا وضعنا الأرقام التي توصّل إليها العلماء أمامنا فيما يتعلّق بسرعة حركة الأرض حول نفسها وحول الشمس (١) ، عند ذلك يتبيّن لنا أهميّة هذا الهدوء الكامن في أعماق هذه الحركة السريعة جدّا والتي هي ليست نوعا واحدا ، بل أنواع مختلفة.
التعبير بـ (وضع) عن الأرض في مقابل (رفع) عن السماء ، إضافة إلى الروعة البلاغية في هذا التقابل فهو إشارة إلى تسخير الأرض ومنابعها للإنسان حيث يقول سبحانه : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ). (٢)
__________________
(١) سرعة الأرض حول الشمس (الحركة الانتقالية) ٣٥ كم في الثانية ، وسرعة سيرها حول نفسها بحدود (١٦٠٠) كم في الساعة (في المناطق الاستوانية).
(٢) الملك ، ١٥.