ثمّ يضيف سبحانه في وصفه لهاتين الجنّتين بقوله : (ذَواتا أَفْنانٍ).
«ذواتا» تثنية (ذات) بمعنى صاحب ومالك (١).
«أفنان» جمع (فنن) على وزن (قلم) والكلمة في الأصل بمعنى الغصون الطريّة المملوءة من الأوراق ، كما تأتي أحيانا بمعنى «النوع». ويمكن أن يستعمل المعنيان في الآية مورد البحث ، حيث في الصورة الاولى إشارة إلى الأغصان الطرية لأشجار الجنّة ، على عكس أشجار الدنيا حيث غصونها هرمة ويابسة.
كما يشير في الصورة الثانية إلى تنوّع نعم الجنّة وأنواع الهبات فيها ، لذا فلا مانع من استعمال المعنيين.
كما يحتمل أن يراد معنى آخر وهو أنّ لكلّ شجرة عدّة غصون مختلفة وفي كلّ غصن نوع من الفاكهة.
وبعد ذكر هذه النعم يكرّر سبحانه السؤال مرّة اخرى فيقول : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
ولأنّ البساتين النضرة والأشجار الزاهية ينبغي أن تكون لها عيون ، أضاف سبحانه في وصفه لهذه الجنّة بقوله : (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ).
ثمّ يطرح مقابل هذه النعمة الإضافية قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
وبالرغم من أنّ الآية أعلاه لم توضّح لنا شيئا عن طبيعة هاتين العينين الجاريتين وعبّرت عنها بصيغة نكرة ، فإنّ هذه الموارد عادة تكون دليلا على العظمة الإلهيّة ، وقد ذكر بعض المفسّرين أنّ المقصود بهاتين العينين هما «سلسبيل» وتسنيم» قال تعالى : (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) ، (٢) وقال تعالى :
__________________
(١) يعتقد البعض أنّ أصل ذات والتي هي مفرد مؤنث كانت ذوات ، والواو حذفت للتخفيف وأصبحت ذات ولكون التثنية ترجع الكلمة إلى أصلها ، لذا أصبحت (ذواتان) وقد حذفت النون عند الإضافة ، وجاء في مجمع البحرين أنّ أصل (ذو) هو (ذوا) على وزن (عصا) ولذلك فلا عجب أنّ مؤنثها يصبح (ذوات).
(٢) الإنسان ، ١٨.