(وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً) المزمل أي كالرمل المتراكم.
(فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) الواقعة الآية محلّ البحث.
وأخيرا (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) القارعة أي كالصوف المنفوش حيث لا يرى منها إلّا لونها.
ومن الواضح أن لا أحد يعلم إلّا الله بحقيقة حصول هذه التغيّرات التي لا تحملها الألفاظ ، ولا تجسّدها العبارات ، اللهمّ إلّا إشارات معبّرة تحكي عظمة وهول هذا الإنفجار العظيم.
وبعد بيان وقوع هذه الظاهرة العظيمة والحشر الكبير يستعرض القرآن المجيد ذكر حالة الناس في ذلك اليوم ، حيث قسّم الناس إلى ثلاثة أقسام بقول سبحانه : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً).
لفظ (الزوج) لا يقال دائما لجنس المؤنث والمذكّر ، بل تطلق هذه اللفظة على الأمور المتقارنة مع بعض ، ولكون أصناف الناس في القيامة والحشر والنشر تكون متقارنة مع بعضها ، لذا يطلق عليها لفظ أزواج.
وحول القسم الأوّل يحدّثنا القرآن الكريم بقوله : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) (١).
المقصود من أصحاب الميمنة هم الأشخاص الذين يعطون صحيفة أعمالهم بأيديهم اليمنى ، وهذا الأمر رمز لأهل النجاة ، ودليل الأمان للمؤمنين والصالحين في يوم القيامة ، كما ذكر هذا مرارا في الآيات القرآنية.
أو أنّ كلمة (ميمنة) من مادّة (يمن) التي أخذت من معنى السعادة ، وعلى هذا التّفسير فإنّ القسم الأوّل هم طائفة السعداء وأهل الحبور والسرور.
__________________
(١) في تركيب هذه الجملة توجد احتمالات عديدة وأنسبها أن نقول : «أصحاب الميمنة» مبتدأ ، و «ما» استفهامية مبتدأ تان ، وأصحاب الميمنة الثانية خبرها ، والخلاصة أنّ جملة (ما أصحاب الميمنة) خبر للمبتدأ الأوّل ، والفاء في بداية الجملة تفريعيّة وتفسيرية.