وبالنظر إلى أنّ الآية اللاحقة تعرّف المجموعة الثانية بـ (أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) والتي هي مأخوذة من مادّة (شؤم) فإنّ التّفسير الأخير هو الأنسب (١).
عبارة «ما أصحاب الميمنة» هو بيان حقيقة السعادة التي ليس لها حدّ ولا يمكن تصوّرها لهؤلاء المؤمنين ، وهذه قمّة الروعة في الوصف لمثل هذه الحالات ، ويمكن تشبيه ذلك بقولنا : فلان إنسان يا له من إنسان!
ثمّ يستعرض الله تعالى المجموعة الثانية بقوله : (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) حيث الشؤم والتعاسة ، واستلام صحائف أعمالهم بأيديهم اليسرى التي هي رمز سوء عاقبتهم وعظيم جرمهم وجنايتهم ، نتيجة عمى البصيرة والسقوط في وحل الضلال.
والتعبير بـ «ما أصحاب المشئمة» هو الآخر يعكس نهاية سوء حظّهم وشقاوتهم.
وأخيرا يصف المجموعة الثالثة أيضا بقوله سبحانه : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) (٢) (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ).
(السابقون) ليسوا الذين سبقوا غيرهم بالإيمان فحسب ، بل في أعمال الخير والأخلاق والإخلاص ، فهم أسوة وقدوة وقادة للناس ، ولهذا السبب فهم من المقرّبين إلى الحضرة الإلهيّة.
وبناء على هذا ، فما نرى من تفسير أسبقية السابقين بالسبق في طاعة الله ، أو
__________________
(١) جاء في الآيات اللاحقة استعمال أصحاب الشمال بدلا من أصحاب المشئمة.
(٢) في تركيب هذه الآية والآيات اللاحقة احتمالات عديدة : الأوّل : أنّ (السَّابِقُونَ) الأولى مبتدأ ، والثانية وصف أو تأكيد له ، (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) مبتدأ وخبر والتي هي في المجموع خبر لكلمة (السَّابِقُونَ) الاولى ، ويحتمل البعض الآخر أنّ (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) مبتدأ وخبر ، وشبّه بشعر أبي النجم المعروف حين يقول : (أنا أبو النجم وشعري شعري) والذي هو في الواقع نوع من الوصف العالي. وهناك احتمال آخر وهو أنّ (السابقون) الاولى هي بمعنى السابقين في الإيمان ، والسابقون الثانية بمعنى السابقين إلى الجنّة والتي ستكون كذلك مبتدأ وخبر.