لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (١).
والمراد من «القول» هنا هو التهديد أو الوعيد الذي أشار إليه الله سبحانه مرارا في آيات متعدّدة وذكرنا آنفا أمثلة منها.
والتعبير بـ «ظلّام» وهو صيغة مبالغة معناه كثير الظلم ، مع أنّ الله لا يصدر منه أقل ظلم ، ولعلّ هذا التعبير هو إيذان بأنّ مقام عدل الله وعلمه في درجة بحيث لو صدر منه أصغر ظلم لكان يعدّ كبيرا جدّا ولكان مصداقا للظلّام ، فعلى هذا فإنّ الله بعيد عن أي أنواع الظلم.
أو أنّ هذا التعبير ناظر إلى الأفراد والمصاديق ، إذ لو نال عبدا ظلم من الله فهناك نظراء لهذا العبد ، وفي المجموع يكون الظلم كثيرا.
وعلى كلّ حال ، فإنّ هذا التعبير دليل على أنّ العباد مخيّرون ولديهم الحريّة «في الإرادة» فلا الشيطان مجبور على شيطنته وعمله ، ولا الكفّار مجبورون على الكفر وأتباع طريق الشيطان ، ولا العاقبة والمصير القطعي الخارج عن الإرادة قد تقرّرا لأحد أبدا.
وهنا ينقدح هذا السؤال! وهو :
كيف يقول سبحانه (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ)؟ مع أنّ جماعة من العباد يشملهم عفوه وغفرانه؟
والجواب على هذا السؤال : أنّ العفو أيضا وفقا لمنهج دقيق وفرع على عمل أدّاه الإنسان بحيث أنّه على رغم جرمه فهو جدير بالعفو ، وهذا بنفسه أحد السنن الإلهيّة ، وهو أنّ من يستحقّ العفو يشمله عفوه ، وهذا أيضا لا يتغيّر.
وفي آخر آية من الآيات محلّ البحث إشارة إلى جانب قصير ومثير من مشاهد يوم القيامة إذ تقول الآية : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ
__________________
(١) لدي ظرف متعلق بـ «يبدل» واحتمل بعض المفسرين أنه متعلق بالقول ، إلا أن المعنى الأول أنسب ..