(فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (١).
التعبير بـ (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) يشمل أنواع النعم المادية والمعنوية ، ويمكن اعتبار هذا التعبير إشارة إلى أنّ بساتين الجنّة هي وحدها مركز النعمة والراحة في مقابل بساتين الدنيا التي تحتاج إلى الجهد والتعب ، كما أنّ حالة المقربين في الدنيا تختلف عن حالة المقرّبين في الآخرة ، حيث أنّ مقامهم العالي في الدنيا كان توأما مع المسؤوليات والطاعات في حين أنّ مقامهم في الآخرة سبب للنعمة فقط.
ومن البديهي أنّ المقصود من «القرب» ليس «القرب المكاني» لأنّ الله ليس له مكان ، وهو أقرب إلينا من أنفسنا ، والمقصود هنا هو «القرب المقامي».
ويشير في الآية اللاحقة إلى الحالة العددية في الأمم السابقة وفي هذه الامّة أيضا حيث يقول سبحانه :
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) أي أنّهم جماعة كثيرة في الأمم السالفة والأقوام الاولى.
(وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ).
(ثلّة) كما يقول الراغب في المفردات تعني في الأصل قطعة مجتمعة من الصوف ، ثمّ تحوّلت إلى معنى مجموعة من الأشخاص.
وأخذها البعض أيضا من (ثلّ عرشه) بمعنى سقط وانهار ، يقال (سقط عرشه وانقلعت حكومته) واعتبرها البعض (قطعة) ، وذلك بقرينة المقابلة بـ (قليل من الآخرين) يكون المعنى القطعة العظيمة.
وطبقا لهاتين الآيتين فإنّ قسما كبيرا من المقرّبين هم من الأمم السابقة ، وقسم قليل منهم فقط هم من امّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ويثار سؤال هنا وهو : كيف يتناسب العدد القليل من مقرّبي امّة محمّد مع الأهميّة البالغة لهذه الامّة التي وصفها القرآن الكريم بأنّها من أفضل الأمم؟ قال
__________________
(١) الجار والمجرور الموجود في الآية (جنّات النعيم) ممكن أن يكون متعلّق بما قبله يعني (المقرّبين) ، أو مرتبطة بحال محذوف جاء للمقرّبين وتقديره (كائنين في جنّات النعيم) ، أو يكون خبرا بعد خبر.