أمّا من هم هؤلاء الولدان؟
قال البعض : إنّهم أبناء البشر من هذه الدنيا الذين توفّوا قبل البلوغ ، وصحيفة أعمالهم بيضاء لم تدنّس بعد ، فقد بلغوا هذه المرتبة بلطف الله سبحانه ، وخدمتهم للمقرّبين تقترن بارتياح عظيم ورغبة عميقة ولذّة من أفضل اللذّات ، لأنّهم في خدمة المقرّبين من الحضرة الإلهيّة.
وقد ورد في هذا المعنى حديث للإمام علي عليهالسلام.
إلّا أنّنا نقرأ في تفسير آخر أنّهم أطفال المشركين ولأنّهم لم يرتكبوا ذنبا فقد حصلوا على هذه المرتبة ، وأطفال المؤمنين يلتحقون بآبائهم وامّهاتهم.
ونقرأ في تفسير ثالث أنّهم خدّام الجنّة ، حيث إنّ الله سبحانه قد أعدّهم لهذه المهمّة بشكل خاصّ.
ويضيف القرآن أنّ هؤلاء الولدان يقدّمون لأصحاب الجنّة أقداح الخمر وكؤوس الشراب المأخوذ من أنهار الجنّة (بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) (١) وشرابهم هذا ليس من النوع الذي يأخذ لباب العقل والفكر ، حيث يقول تعالى : (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ) (٢).
إنّ الحالة التي تنتابهم من النشوة الروحية حين تناولهم لهذا الشراب لا يمكن أن توصف ، إذ تغمر كلّ وجودهم بلذّة ليس لها مثيل.
ثمّ يشير سبحانه إلى رابع وخامس قسم من النعم المادية التي وهبها الله
__________________
(١) أكواب جمع كوب بمعنى القدح أو الإناء الذي لا عروة له ، وأباريق جمع إبريق وهي في الأصل أخذت من الفارسية (آبريز) بمعنى الأواني ذات اليد من جهة ، ومن الاخرى ذات أنبوب لصبّ السائل ، وكلمة كأس تقال للإناء المملوء بالسائل لدرجة يفيض من جوانبه ، ومعين من مادّة (معن) على وزن (صحن) بمعنى الجاري.
(٢) (يصدّعون) من مادّة (صداع) على وزن (حباب) ، بمعنى وجع الرأس ، وهذا المصطلح في الأصل من (صدع) بمعنى (الانفلاق) لأنّ الإنسان عند ما يصاب بوجع رأس شديد فكأنّ رأسه يريد أن ينفلق من شدّة الألم ، لذا فإنّ هذه الكلمة قد استعملت في هذا المعنى. (وينزفون) من أصل (نزف) على وزن (حذف) بمعنى سحب جميع مياه البشر بصورة تدريجيّة ، وتستعمل أيضا حول (السكر) وفقدان العقل.