«حور» كما قلنا سابقا جمع حوراء وأحور ، ويقال للشخص الذي يكون سواد عينه شديدا وبياضها شفافا ، و (عين) جمع (عيناء) وأعين ، بمعنى العين الواسعة ، لأنّ أكثر جمال الإنسان في عيونه ، فقد ذكر هذا الوصف خصوصا.
وقال البعض : إنّ «حور» أخذت من مادّة (حيرة) يعني أنّهنّ جميلات إلى حدّ تصاب العيون بالحيرة عند رؤيتهنّ (١).
«مكنون» بمعنى مستور ، والمقصود هنا الاستتار في الصدف ، لأنّ اللؤلؤ عند ما يكون مختفيا في الصدف وبعيدا عن لمس الأيدي يكون شفّافا وناصعا أكثر من أي وقت. وبالإضافة إلى ذلك قد يكون المقصود أنهنّ مستورات عن أعين الآخرين بصورة تامّة ، لا يد تصل إليهنّ ولا عين تقع عليهنّ.
وبعد الحديث عن هذه المنح ، والعطايا المادية الستّة ، يضيف سبحانه : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) كي لا يتصوّر أحد أنّ هذه النعم تعطى جزافا ، بل إنّ الإيمان والعمل الصالح هو السبيل لنيلها والحصول عليها ، حيث يلزم للإنسان العمل المستمرّ الخالص حتّى تكون هذه الألطاف الإلهيّة من نصيبه.
«ويلاحظ بأنّ (يعملون) فعل مضارع يعطي معنى الاستمرار».
ويتحدّث القرآن الكريم عن سابع نعمة من نعم أهل الجنّة ، وهي التي تتسم بالطابع الروحي المعنوي حيث يقول تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً).
فالجوّ هناك جوّ نزيه خالص بعيد عن الدنس ، فلا كذب ، ولا تهم ، ولا افتراءات ، ولا استهزاء ولا غيبة ولا ألفاظ نابية وعبارات لاذعة .. وليس هنالك لغو ولا كلام فارغ .. بل الموجود هناك هو اللطف والصفاء والجمال والمتعة والأدب والطهارة ، وكم هو طاهر ذلك المحيط البعيد عن الأحاديث المدنّسة التي
__________________
ـ أيضا حول أصحاب الجنّة ، ونظرا لعدم تناسب هذا المعنى خصوصا في المجالس الجماعية لأهل الجنّة ، لذا فالظاهر أنّه مبتدأ لخبر محذوف ، والتقدير هكذا (ولهم حور عين).
(١) أبو الفتوح الرازي ، ج ١١ نهاية الآية مورد البحث.