ثمّ يشير سبحانه إلى العامل الثاني الذي كان مصدرا وسببا لعذاب أصحاب الشمال ، فيقول سبحانه : (وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ).
«الحنث» في الأصل يعني كلّ نوع من الذنوب ، وقد استعمل هذا المصطلح في كثير من الموارد بمعنى نقض العهد ومخالفة القسم ، لكونه مصداقا واضحا للذنب ، وبناء على هذا فإنّ خصوصية أصحاب الشمال ليس فقط في ارتكاب الذنوب ولكن في الإصرار عليها ، لأنّ الذنب يمكن صدوره من أصحاب اليمين أيضا ، إلّا أنّهم لا يصرّون عليه أبدا ، ويستغفرون ربّهم ويعلنون التوبة إليه عند تذكّره.
وفسّر البعض «الحنث العظيم» بمعنى الشرك ، لأنّه لا ذنب أعظم من الشرك.
قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١).
وفسّر (الحنث) بالكذب ، لأنّه أعظم الذنوب ، ومفتاح المعاصي ، خصوصا حينما يكون الكذب توأما لتكذيب للأنبياء عليهالسلام والمعاد.
والظاهر أنّ هذه جميعا تعتبر مصاديق للحنث العظيم.
وثالث عمل سبب لهم هذا الويل والعذاب ، هو أنّهم قالوا : (وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ).
وعلى هذا فإنّ إنكار القيامة والذي هو بحدّ ذاته مصدر للكثير من الذنوب ، هو وصف آخر لأصحاب الشمال ، ومصدر لشقائهم. وتعبير (كانُوا يَقُولُونَ) يوضّح لنا أنّهم كانوا يصرّون ويعاندون في إنكار يوم القيامة أيضا.
وهنا مطلبان جديران بالملاحظة وهما :
الأوّل : أنّ القرآن الكريم في معرض حديثه عن (المقرّبين) و (أصحاب اليمين) لم يعط توضيحا عن أعمالهم التي سبّبت لهم تلك النعم وذلك الجزاء ، إلّا ضمن إشارة عابرة. أمّا عند ما جاء دور الحديث عن أصحاب الشمال فقد وضّحت
__________________
(١) النساء ، آية ٤٨.