والتي هي الهدف لحياة وفناء هذه الدنيا ، ومن البديهي لأي شخص لم ير الدار الآخرة أنّه لن يستطيع إدراكها ومعرفة قوانينها والأنظمة المسيطرة عليها من خلال الألفاظ والصور التي تنقل لنا عنها ، نعم إنّنا نستطيع أن نرى شبحها وظلالها فقط من التصوير اللفظي لها ، ولذا فإنّ الآية أعلاه تعكس هذه الحقيقة ، حيث تذكر أنّ الله سيخلقنا في عالم جديد وبأشكال وظروف جديدة لا ندرك أسرارها (١).
وفي آخر آية ـ مورد البحث ـ يتحدّث سبحانه عن رابع دليل للمعاد حيث يقول : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ).
هذا الدليل نستطيع بيانه بصورتين :
الاولى : في المثال التالي : إذا كنا نسير في صحراء وشاهدنا قصرا مهيبا عظيما مثيرا للإعجاب في محتوياته ومواد بنائه وهندسته ، وقيل لنا : إنّ الهدف من هذا القصر هو استعماله كمحطّة للراحة والهدوء لعدّة ساعات فقط لقافلة صغيرة .. فإنّنا سنحكم في أنفسنا بصورة قاطعة على عدم الحكمة في هذا العمل ، إذ من المناسب لمثل الهدف المتقدّم ذكره أن تعد خيمة صغيرة فقط.
وعلى هذا فإنّ خلق هذه الدنيا العظيمة وما فيها من أجرام سماوية وشمس وقمر وأنواع المخلوقات الأرضية الاخرى ، هل يمكن أن يكون لهدف صغير محدود ، كأن يعيش الإنسان فيها بضعة أيّام؟ كلّا ليس كذلك ، وإلّا فانّه يعني أنّ خلق العالم سيكون بدون هدف ، ولكن ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه المخلوقات العظيمة قد خلقت لموجود شريف ـ مثل الإنسان ـ ليعرف الله سبحانه من خلالها ، معرفة تكون رأسماله الوحيد في الدار الآخرة ، فالهدف إذن هو الدار الآخرة ، وهذا دليل آخر على المعاد.
وهذا البيان هو ما نجده في الآية الشريفة : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما
__________________
(١) اعتبر البعض أن الآية هي إشارة إلى مسخ الأقوام السابقين في هذا العالم ، حيث إن الله سبحانه قد مسخهم بأشكال لا يعلمونها ، إلا أن هذا المعنى لا ينسجم مع ظاهر الآية.