إنّ ضعفكم هذا دليل أيضا على أنّ مالك الموت والحياة واحد ، وأنّ الجزاء بيده ، وهو الذي يحي ويميت.
«مدينين» : جمع (مدين) من مادّة (دين) بمعنى الجزاء ، وفسّرها البعض بمعنى المربوبين. والمعنى هو : يا أيّها العباد ، إن كنتم تحت ربوبية موجود آخر ، ومالكي نواصي أموركم ، فارجعوا أرواحكم التي قبضناها ، وهيهات تقدرون! وهذا دليل آخر على أنّكم في قبضة الحكومة الإلهية.
* * *
تعقيب
١ ـ لحظة ضعف الجبّارين
إنّ الهدف من هذه الآيات ـ في الحقيقة ـ هو بيان قدرة الله عزوجل على مسألة الموت والحياة ، كي ينتقل منها إلى مسألة المعاد وإختيار لحظات الاحتضار والموت هنا لظهور غاية الضعف الإنساني بالرغم من كلّ القوّة التي يتصوّرها لنفسه.
ومن المفيد أن نستعرض بعض حالات الجبّارين لحظة احتضارهم بالرغم من أنّهم كانوا في أوج القدرة حتّى يتّضح المعنى العميق لهذه الآية بصورة أفضل.
حكى المسعودي في مروج الذهب في أخبار المأمون وغزاته أرض الروم ما هذا ملخّصه : وانصرف من غزاته إلى منزل على (عين البديدون) المعروفة بالقشيرة فأقام هنالك ، فوقف على العين فأعجبه برد مائها وصفاؤه وبياضه وطيب حسن الموضع ، وكثرة الخضرة فأمر بقطع خشب طويل منبسط على العين كالجسر ، وجعل فوقه كالأزج من الخشب وورق الشجر ، وجلس تحت الكنسية التي عقدت له ، والماء تحته ، وطرح في الماء درهم صحيح ، فقرأ كتابته وهو في قرار الماء لصفاء الماء ، ولم يقدر أحد أن يدخل يده من شدّة برده.