تفاسير أخر لهذه الآية أعرضنا عن ذكرها لأنّها (١) بعيدة.
والوصف الثاني من أوصافهم يذكره القرآن بهذا البيان : (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
فحيث أنّ عيون الغافلين هاجعة آخر الليل والمحيط هادئ تماما ، فلا صخب ولا ضجيج ولا شيء يشغل فكر الإنسان ويقلق باله .. ينهضون ويقفون بين يدي الله ويعربون له عن حاجتهم وفاقتهم ، ويصفّون أقدامهم ، ويصلّون ويستغفرون عن ذنوبهم خاصّة.
ويرى الكثير من المفسّرين أنّ المراد من «الاستغفار» هنا هو «صلاة الليل» لأنّ «الوتر» منها مشتمل على الاستغفار.
و «الأسحار» جمع سحر على زنة «بشر» ومعناه في الأصل الخفي أو المغطّى ، وحيث أنّه في الساعات الأخيرة من الليل يغطّي كلّ شيء خفاء خاصّ ، فقد سمّى آخر الليل سحرا.
وكلمة «سحر» ـ بكسر السين ـ تطلق أيضا على ما يغطّي وجه الحقائق أو يخفي أسرارها عن الآخرين!.
وقد جاء في رواية في تفسير «الدرّ المنثور» أنّ النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ آخر الليل في التهجّد أحبّ إليّ من أوّله ، لأنّ الله يقول : وبالأسحار هم يستغفرون» (٢).
ونقرأ حديثا آخر عن الإمام الصادق عليهالسلام يقول : «كانوا يستغفرون الله في الوتر سبعين مرّة في السحر» (٣).
ثمّ يذكر القرآن الوصف الثالث لأهل الجنّة المتّقين فيقول : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ
__________________
(١) كلمة «ما» في قوله ما يهجعون يمكن أن تكون زائدة وللتأكيد أو موصولة أو مصدرية كما ورد ذلك في تفسير الفخر الرازي والميزان ، وقال بعضهم بأنها زائدة أو مصدرية فحسب كما جاء في تفسير القرطبي وروح البيان ، وما احتمله بعضهم بأنها نافية فهو بعيد.
(٢) الدر المنثور ، ج ٦ ، ص ١١٣.
(٣) مجمع البيان ذيل الآيات محل البحث.