وغير المنصرف ما فيه علّتان ، وتأثيرهما منع الجرّ والتنوين لفظا وتقديرا ، دخل فيه التثنية ، والجمع والأسماء الستة ، وما فيه اللام ، والمضاف.
ومن قال : المنصرف ما دخله الحركات الثلاث والتنوين. وغير المنصرف ما لم يدخله جرّ ولا تنوين فإن التثنية ، والجمع ، والمعرّف باللام ، والإضافة يخرج عن الحصر ، فلذلك ذكرها صاحب (الخصائص) مرتبة ثالثة لا منصرفة ولا غير منصرفة.
مسألة : ما هو الصرف وما هو المنع من الصرف
اختلف النحويّون في الصرف : فمذهب المحقّقين ، ـ كما قال أبو البقاء في (اللّباب) ـ أنّه التنوين وحده. وقال آخرون : هو الجرّ مع التنوين. وينبني على هذا الخلاف ما إذا أضيف ما لا ينصرف ، أو دخلته أل : فعلى الأول هو باق على منع صرفه ، وإنّما يجرّ بالكسرة فقط ، وعلى الثاني هو منصرف.
وقال ابن يعيش في (شرح المفصّل) (١) : اختلفوا في منع الصرف ما هو؟ فقال قوم : هو عبارة عن منع الاسم الجرّ والتنوين دفعة واحدة. وليس أحدهما تابعا للآخر ، إذ كان الفعل لا يدخله جرّ ولا تنوين. وهو قول بظاهر الحال.
وقال قوم ينتمون إلى التحقيق : إن الجرّ في الأسماء ، نظير الجزم في الأفعال فلا يمنع الذي لا ينصرف ما في الفعل نظيره ، وإنّما المحذوف منه علم الخفة ، وهو التنوين وحده ، لثقل ما لا ينصرف لمشابهة الفعل ، ثم تبع الجرّ التنوين في الزوال لأنّ التنوين خاصّة للاسم ، والجرّ خاصة له أيضا ، فتبع الخاصّة الخاصة. ويدلّ على ذلك أن المرفوع والمنصوب ممّا لا مدخل للجر فيه ، إنّما يذهب منه التنوين لا غير. فعلى هذا القول إذا قلت : نظرت إلى الرجل الأسمر وأسمركم ، الأسمر باق على منع صرفه ، وإن انجرّ ، لأنّ الشبه قائم ، وعلم الصرف الذي هو التنوين معدوم وعلى القول الأول يكون الاسم منصرفا ، لأنه لما دخله الألف واللام والإضافة ـ وهما خاصّة للاسم ـ بعد عن الأفعال ، وغلبت الاسميّة ، فانصرف ، انتهى.
مسألة : مثنى وثلاث
مذهب الجمهور أنّ (مثنى) و (ثلاث) منع الصرف للعدل مع الوصفيّة. وذهب الفرّاء إلى أنّ منعها للعدل والتعريف بنيّة الإضافة ، وينبني على الخلاف صرفها مذهوبا بها مذهب الأسماء أي منكرة. فأجاز الفرّاء بناء على رأيه أنّها معرفة بنية الإضافة تقبل التنكير ، ومنعه الجمهور.
__________________
(١) انظر شرح المفصّل (١ / ٥٧).