عمل العامل لفظا لا محلّا ، والإلغاء إبطال عمله بالكلّيّة. فكلّ تعليق إلغاء ، وليس كلّ إلغاء تعليقا ، قال ابن النحاس : في ادّعائه بين التعليق والإلغاء عموما وخصوصا نظر ، فإنه لا عموم ولا خصوص بينهما.
وفي (تذكرة ابن هشام) ، قال ابن أبي الربيع : لا يجوز الإلغاء إلا بشروط : التوسط أو التأخر ، وألّا يتعدى إلى مصدره ، وأن يكون قلبيا. قال : فأما التعليق فيكون في هذه الأفعال وفي أشباهها ، انتهى.
ذكر الفرق بين حذف المفعول اختصارا وبين حذفه اقتصارا
قال ابن هشام (١) : جرت عادة النحويين أن يقولوا : يحذف المفعول اختصارا واقتصارا ويريدون بالاختصار الحذف لدليل ، وبالاقتصار الحذف لغير دليل ، ويمثّلونه بنحو : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) [البقرة : ٦٠] ، أي : أوقعوا هذين الفعلين ، وقول العرب فيما يتعدّى إلى اثنين : من يسمع يخل ، أي : تكن منه خيلة.
والتحقيق أن يقال : إنّه تارة يتعلّق الغرض بالإعلام بمجرّد وقوع الفعل من غير تعيين من أوقعه ومن أوقع عليه ، فيجاء بمصدره مسندا إلى فعل كون عامّ فيقال : حصل حريق أو نهب.
وتارة يتعلّق بالإعلام بمجرّد إيقاع الفاعل الفعل ، فيقتصر عليهما ، ولا يذكر المفعول ولا ينوى ، إذ المنويّ كالثابت ، ولا يسمى محذوفا ، لأن الفعل ينزل بهذا القصد منزلة ما لا مفعول له ، ومنه : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) [البقرة : ٢٥٨] ، و (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٩] ، (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) [الأعراف : ٣١] ، (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَ) [الدهر : ٢٠] إذا المعنى : ربّي الذي يفعل الإحياء والإماتة ، وهل يستوي من يتصف بالعلم ومن ينتفي عنه العلم ، وأوقعوا الأكل والشرب وذروا الإسراف ، وإذا حصلت منك رؤية هنالك.
وتارة يقصد إسناد الفعل إلى فاعله وتعليقه بمفعوله ، فيذكرون نحو : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا) [آل عمران : ١٣٠] ، (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) [الإسراء : ٣٢] ، وقولك : ما أحسن زيدا!. وهذا النوع إذا لم يذكر مفعوله قيل : محذوف ، نحو : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) [الضحى : ٣] ، وقد يكون في اللفظ ما يستدعيه فيحصل الجزم بوجوب تقديره ، نحو : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) [الفرقان : ٤١] ، (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) [النساء : ٩٥]. [الوافر] :
__________________
(١) انظر المستقصى في الأمثال (٣٦٢) ، وفصل المقال (٤١٢).