قلت : ما صنعت وأباك؟ فإنما يراد ما صنعت مع أبيك ، وإذا قلت : استوى الماء والخشبة ، وما زلت أسير والنيل ، يفهم منه المصاحبة والمقارنة.
وقال الأبّذيّ : الفرق بين واو المفعول معه وواو العطف أنّك إذا قلت : قام زيد وعمرو ، ليس أحدهما ملابسا للآخر ، ولا فرق بينهما في وقوع الفعل من كلّ منهما على حدة. فإذا قلت : ما صنعت وأباك؟ وما أنت والفخر؟ فإنما تريد ما صنعت مع أبيك؟ وأين بلغت في فعلك به؟ وما أنت مع الفخر في افتخارك وتحقّقك به؟
باب الاستثناء
قال ابن يعيش (١) : الفرق بين البدل والنصب في قولك : ما قام أحد إلا زيدا ، أنك إذا نصبت جعلت معتمد الكلام النفي ، وصار المستثنى فضلة ، فتنصبه ، كما تنصب المفعول. وإذا أبدلته منه كان معتمد الكلام إيجاب القيام لزيد ، وكان ذكر الأول كالتوطئة كما ترفع الخبر لأنه معتمد الكلام ، وتنصب الحال لأنه تبع للمعتمد في نحو : زيد في الدار قائم وقائما ، انتهى.
فصل
قال ابن يعيش (٢) : الفرق بين (غير) إذا كانت صفة ، وبينها إذا كانت استثناء ، أنها إذا كانت صفة لم توجب للاسم الذي وصفته بها شيئا ، ولم تنفه عنه ، لأنّها مذكورة على سبيل التعريف ، فإذا قلت : جاءني غير زيد ، فقد وصفته بالمغايرة له ، وعدم المماثلة ، ولم تنف عن زيد المجيء. فإنّما هو بمنزلة قولك : جاءني رجل ليس بزيد. وأمّا إذا كانت استثناء فإنه إذا كان قبلها إيجاب فما بعدها نفي ، وإذا كان قبلها نفي فما بعدها إيجاب ، لأنّها هنا محمولة على إلا ، فكان حكمها كحكمها.
ذكر ما افترقت فيه (إلا) و (غير)
قال أبو الحسن الأبّذيّ في (شرح الجزوليّة) : افترقت (إلا) و (غير) في ثلاثة أشياء :
أحدها : أنّ غيرا يوصف بها ، حيث لا يتصوّر الاستثناء. وإلا ليست كذلك. فتقول : عندي درهم غير جيد ، ولو قلت : عندي درهم إلا جيّد ، لم يجز.
__________________
(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ٨٧).
(٢) انظر شرح المفصّل (٢ / ٨٨).