القسم الثاني
باب الإعراب والبناء
مسألة
يكفي في بناء الاسم شبهه بالحرف من وجه واحد اتفاقا ، ولا يكفي في منع الصرف مشابهته للفعل من وجه واحد اتّفاقا ، بل لا بدّ من مشابهته له من وجهين :
قال في (البسيط) : والفرق أنّ مشابهة الحرف تخرجه إلى ما يقتضيه الحرف من البناء ، وعلّة البناء قويّة ، فلذلك جذبته العلّة الواحدة ، وأما مشابهة الفعل فإنها لا تخرجه عن الإعراب ، وإنما تحدث فيه ثقلا ، ولا يتحقّق الثقل بالسبب الواحد لأنّ خفّة الاسم تقاومه فلا يقدر على جذبها عن الأصالة إلى الفرعية ، فلذلك احتيج إلى سببين لتحقّق الثقل بتعاضدهما ، وغلبتهما بقوّة نقلهما خفّة الاسم وجذبه إلى شبه الفعل.
قال ابن الحاجب في (أماليه) : إن قيل : لم بني الاسم لشبه واحد ، وامتنع من الصرف لشبهين ، وكلا الأمرين خروج عن أصله؟
فالجواب أنّ الشبه الواحد بالحرف يبعده عن الاسمية ، ويقرّبه مما ليس بينه وبينه مناسبة إلا في الجنس الأعمّ ، وهو كونه كلمة ، وشبه الفعل وإن كان نوعا آخر إلّا أنه ليس في البعد عن الاسم كالحرف. ألا ترى أنّك إذا قسمت الكلمة خرج الحرف أوّلا لأنه أحد القسمين ، ويبقى الاسم والفعل مشتركين ، فيفرق بينهما بوصف أخصّ من وصفهما بالنسبة إلى الحرف ، فوزان الحرف من الاسم كالجماد بالنسبة إلى الآدميّ ، ووزان الفعل من الاسم كالحيوان من الآدميّ ، فشبه الآدمي بالجماد ليس كشبهه بالحيوان. فقد علمت بهذا أنّ المناسبة الواحدة بين الشيء وبين ما هو أبعد لا تقاوم مناسبات متعدّدة بينه وبين ما هو قريب منه.
قال ابن النحّاس في (التعليقة) : فإن قيل فلم بنيتم الاسم لشبهه بالحرف من وجه واحد؟
فالجواب أنّ الاسم بعيد من الحرف. فشبهه به يكاد يخرجه عن حقيقته ، فلو لا قوّته لم يظهر ذلك فيه ، فلا جرم اعتبرناه قولا واحدا.