الفرق بين الحال والتمييز ظاهر ، لأن التمييز مفسّر لذات المميّز والحال ليس بمفسّر ، فلو قدّمنا التمييز لكان المفسّر قبل المفسّر ، وهذا لا يجوز.
وقال الأبّذيّ في (شرح الجزولية) : التمييز مشبه للنعت فلم يتقدّم ، وإنما تقدّمت الحال لأنها خبر في المعنى ، ولتقديرها بفي فأشبهت الظرف ، وأيضا فالحال لبيان الهيئة لا لبيان الذات ففارقت النعت.
وقال الفارسيّ في (التذكرة) : إنما لم يجز تقديم التمييز لأنه مفسّر ومرتبة المفسّر أن تقع بعد المفسّر وأيضا فأشبه (عشرون). وأما الحال فحملت على الظرف.
وقال ابن يعيش في (شرح المفصّل) (١) : سيبويه (٢) لا يرى تقديم التمييز على عامله فعلا كان أو معنى. أما إذا كان معنى غير فعل فظاهر لضعفه ، ولذلك يمتنع تقديم الحال على العامل المعنويّ ، وأما إذا كان فعلا متصرّفا فقضية الدليل جواز تقديم منصوبه عليه لتصرّف عامله إلّا أنه منع من ذلك مانع ، وهو كون المنصوب فيه مرفوعا في المعنى من حيث كان الفعل مسندا إليه في المعنى والحقيقة ، ألا ترى أنّ التصبّب والتفقؤ في قولنا (٣) : تصبّب زيد عرقا ، وتفقأ زيد شحما في الحقيقة للعرق والشحم ، والتقدير : تصبّب عرق زيد ، وتفقّأ شحمه. فلو قدّمناهما لأوقعناهما موقعا لا يقع فيه الفاعل ، لأن الفاعل إذا قدمناه خرج عن أن يكون فاعلا ، وكذلك إذا قدمناه لم يصح أن يكون في تقدير فاعل نقل عنه الفعل ، إذ كان هذا موضعا لا يقع فيه الفاعل.
فإن قيل : فإذا قلت : جاء زيد راكبا جاز تقديم الحال ، وهو المرفوع في المعنى فما الفرق بينهما؟.
قيل : نحن إذا قلنا : جاء زيد راكبا فقد استوفى الفعل فاعله لفظا ومعنى وبقي المنصوب فضلة ، فجاز تقديمه ، وأما إذا قلنا : طاب زيد نفسا فقد استوفى الفعل فاعله لفظا لا معنى ، فلم يجز تقديمه ، كما لم يجز تقديم المرفوع ، انتهى.
باب الإضافة
مسألة : إضافة الفم إلى ياء المتكلم
إذا أضيف الفم إلى ياء المتكلّم ردّ المحذوف ، فيقال : هذا فيّ ، وفتحت فيّ ،
__________________
(١) انظر شرح المفصّل (٢ / ٧٣).
(٢) انظر الكتاب (١ / ٢٦٦).
(٣) انظر شرح المفصّل (٢ / ٧٠).