شرر النيران تتقد في الوهلة الاولى في أعماق القلب والروح ، ثمّ تسري إلى الخارج ، فتعذب روح الإنسان أوّلا ، ثمّ تظهر آثارها في الجسم وملامح الوجه وطبيعة النوم والأكل ، فيعبّر تعالى عن ذلك في قوله : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) (١).
٥ ـ عدم احتياج هذه المحكمة إلى شهود ، بل إنّ المعلومات التي يعطيها الإنسان المتهم بنفسه والذي يكون شاهدا على نفسه هي التي تقبل منه ، نافعة كانت له أم ضارة! كما تشهد ذرات وجود الإنسان حتى يداه وجلده على أعماله في محكمة البعث فيقول تعالى : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ) (٢).
وهذا التشبيه العجيب بين المحكمتين دليل آخر على فطرية الإعتقاد بالمعاد ، لأنّه كيف يمكن أن يكون في الإنسان الذي يعتبر قطرة صغيرة في محيط الوجود العظيم هكذا حساب ومحاكم مليئة بالرموز والأسرار في حين لا يوجد حساب ومحاكم في هذا العالم الكبير؟ فهذا ما لا يصدق.
٢ ـ أسماء القيامة في القرآن المجيد
إنّ قسما مهمّا من معارف القرآن ومسائله العقائدية يدور حول محور القيامة والبعث ، لأنّ له تأثيرا مهمّا في تربية الإنسان وتكامل سلوكه ، ولهذا اليوم العظيم أسماء كثيرة في القرآن ، وكل منها تبيّن بعدا من أبعاد ذلك اليوم ، يمكن أن تكون هذه الأسماء بحدّ ذاتها انعكاس للكثير من المسائل المتعلقة بهذا الجانب.
يقول المرحوم الفيض الكاشاني في المحجة البيضاء : «إنّ تحت كلّ اسم من هذه الأسماء سرّ خفي ، ولكل نعت معنى مهم لا بدّ من السعي الجاد لإدراك هذه
__________________
(١) الهمزة ، ٦ ـ ٧.
(٢) سورة فصلت ، ٢٠.