والوهمية ، نعم ، إنّ ذلك الدخان المظلم تجسيد لظلمات الشهوات.
ثمّ يضيف وصفا آخر لتلك النار المحرقة : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) (١)
ليس كشرر نار هذه الدنيا التي لا تكون أحيانا إلّا بمقدار رأس الإبرة ، التعبير بـ «القصر» هنا تعبير مليء بالمعنى ، وربّما يتوهّم أحد أنّه لو قيل شرر كالجبل كان أنسب ، ولكن لا ينبغي نسيان أنّ الجبال كما أشير إليها في الآيات السابقة هي أساس أنواع البركات وعيون المياه العذبة والسائغة ، ولكن قصور الظالمين هي التي تكون منشأ للنيران المحرقة والشرر المتطاير منها (٢).
ثمّ ينتهي في الآية الأخرى إلى وصف آخر من أوصاف هذه النّار المحرقة ، فيقول تعالى : (كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) (٣).
«جماله» : جمع «جمل» ، وهو البعير (مثل الحجر والحجارة) و «صفر» ـ على وزن قفل ـ جمع أصفر ويطلق أحيانا على اللون الداكن المائل إلى الأسود ، ولكنّ الأوّل يبدو أنسب ، لأنّ شرر النّار يكون أصفر مائلا إلى الحمرة ، وفي الآية السابقة شبّه حجم الشرر بالقصر الكبير ، وفي هذه الآية من حيث الكثرة واللون والسرعة والحركة والتفرق الجميع الجهات شبهها بمجموعة من الجمال الصفر المتجهة إلى كل صوب.
وإذا كان الشرر هكذا ، فكيف بنفس النّار المحرقة ، وما جعل من العذاب الأليم في تلك النّار؟!
ويعود مرة أخرى في آخر قسم من الآيات لينبّه بذلك التنبيه المكرر ، فيقول :
__________________
(١) (شرر) : على وزن (ضرر) جمع شرارة ، وهو ما يتطاير من النّار ، وأخذت من مادة (الشر).
(٢) نقل بعض المفسّرين كالفخر الرازي عن ابن عباس في تفسير «القصر» فقال : أعواد في الصحراء كانوا يقطعونها ثمّ يجمعوها ويضعوها فوق بعض للشتاء (لا يستبعد هذا التفسير أيضا وذلك لما كانوا يشبهون الأعواد المجموعة والمتراصة بالقصر العالي).
(٣) لعلّ ضمير (كان) يعود على (قصر) أو إلى (الشرر) وبما أنّ (شرر) بصيغة الجمع فلا يمكن ذلك من دون تأويل إلّا أن نجعل (شرر) اسم جمع.